٢ ـ (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بإعطائكم قبلة مستقلة في بيت ربكم الذي وضع قواعده جدكم ، وجعل الأمم الأخرى تبعا لكم فيه ، وطهره من عبادة الأوثان والأصنام ، ووجّه شعوب العالم جميعا إلى بلادكم ، وفي ذلك من الفوائد المادية والمعنوية ما يجلّ حصره وفي الحق أن كل أمر من الله فامتثاله نعمة ، وتكون النعمة أتمّ ، والمنة أكمل ، إذا كان فيه حكمة ظاهرة ، وشرف للأمة ، وأثر حميد نافع لها.
٣ ـ (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي وليعدّكم بذلك إلى الاهتداء بالثبات على الحق ، فإن الفتن التي أثارها السفهاء على المؤمنين في أمر القبلة أظهرت قوة الحق وثباته ، وضعف الباطل وخنوعه ، ومحّصت المؤمنين ، ومحقت الكافرين «ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقوىّ عزيز».
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) أي ولأتمّ نعمتى عليكم باستيلائكم على البيت الذي جعلته قبلة لكم ، وتطهيركم له من عبادة الأصنام ، كما أتمها عليكم بإرسال رسول منكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فالقبلة في بلادكم ، والرسول من أمتكم ، وهو يتلو عليكم آياتنا التي ترشدكم إلى الحق ، وتهديكم إلى سبيل الرشاد ، وهى تشمل آيات الكتاب الكريم وغيرها من الدلائل والبراهين التي تدل على وحدانية الله وعظيم قدرته ، وبديع تصرفه في السموات والأرض.
ووجه المنة في ذلك ، أنه يهديهم إلى الحق مصحوبا بالدليل والبرهان ، دون التقليد والتسليم بلا تبصر وفهم ، وبذا يكون العقل مستقلا ، والدين له مرشدا وهاديا.
(وَيُزَكِّيكُمْ) أي يطهر نفوسكم من أدران الرذائل التي كانت فاشية في العرب من وأد البنات ، وقتل الأولاد تخلصا من النفقة ، وسفك الدماء لأوهن الأسباب ، ويغرس فيها فاضل الأخلاق وحميد الآداب.
وبهذه الزكاة التي زكّوا بها أنفسهم فتحوا الممالك الكبرى ، وكانوا أئمة الأمم