التي كانت تحتقر هذا الجنس ، وعرفوا لهم فضلهم بعدلهم وسياستهم للأمم سياسة حكيمة أنستهم سياسة الأمم التي قبلهم ، وجعلت لذلك الدين أثرا عميقا في نفوسهم ، فدانوا لحكمه خاضعين ، واهتدوا بهديه راشدين.
(وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي ويعلمكم القرآن الكريم ويبين لكم ما انطوى عليه من الحكم الإلهية ، والأسرار الربانية التي لأجلها وصف بأنه هدى ونور ، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يتلوه عليهم ليحفظوا نظمه ولفظه ، حتى يبقى مصونا من التحريف والتصحيف ، ويرشدهم إلى ما فيه من أسرار وحكم ليهتدوا بهديه ، ويستضيئوا بنوره.
(وَالْحِكْمَةَ) وهى العلم المقترن بأسرار الأحكام ومنافعها ، الباعث على العمل بها.
ذاك أن سنة الرسول العملية وسيرته صلى الله عليه وسلم في بيته ، ومع أصحابه في السلم والحرب ، والسفر والإقامة ، فى القلة والكثرة ، جاءت مفصلة لمجمل القرآن ، مبيّنة لمبهمه ، كاشفة لما في أحكامه من الأسرار والمنافع.
ولو لا هذا الإرشاد العملي لما كان البيان القولى كافيا في انتقال الأمة العربية من طور الشتات والفرقة والعداء ، والجهل إلى الائتلاف والاتحاد ، والتآخى والعلم ، وسياسة الأمم.
فالنبى صلى الله عليه وسلم وقف أصحابه على فقه الدين ، ونفذ بهم إلى سرّه ، فكانوا حكماء علماء عدولا أذكياء ، حتى إن أحدهم كان يحكم المملكة العظيمة ويقيم فيها العدل ويحسن السياسة ، وهو لم يحفظ من القرآن إلا بعضه ، لكنه فقهه وعرف أسرار أحكامه.
(وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي ويعلمكم مع الكتاب والحكمة ما ليس مصدر علمه النظر والفكر ، بل طريق معرفته الوحى كأخبار عالم الغيب وسير الأنبياء وأحوال الأمم التي كانت مجهولة عندكم ، وأكثرها كان مجهولا عند أهل الكتاب أيضا ، وقد بلغوا في هذا النوع من العلم مبلغا فاقوا به سائر الأمم.