(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) أي اذكروني بالطاعة بألسنتكم بالحمد والتسبيح ، وقراءة كتابى الذي أنزلته على عبدى ، وبقلوبكم بالفكر في الأدلة التي نصبتها في الكون لتكون علامة على عظمتى ، وبرهانا على قدرتي ووحدانيتي ، وبجوارحكم بالقيام بما أمرتكم به ، واجتنابكم ما نهيتكم عنه ، أجازكم بالثواب والإحسان وإفاضة الخير وفتح أبواب السعادة ودوام النصر والسلطان.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله عز وجل : «أنا عند ظن عبدى وأنا معه ، إذا ذكرنى في نفسه ذكرته فى نفسى ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرّب إلىّ شبرا تقربت إليه ذراعا» الحديث.
وهذه أفضل تربية من الله لعباده ، إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل ، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل.
وبعد أن أعلمهم ما يحفظ النعم ، أرشدهم إلى ما يوجب المزيد منها بمقتضى الجود والكرم فقال :
(وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) أي واشكروا لى هذه النعم بالعمل بها وتوجيهها إلى ما وجدت لأجله ، والثناء علىّ بالقلب واللسان ، والاعتراف بإحساني إليكم ، ولا تكفروا هذه المنن التي أو ليتكموها بصرفها في غير ما يبيحه الشرع والسنن الإلهية وهذا تحذير من الله لهذه الأمة حتى لا تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة ، إذ كفرت بأنعم الله فلم تستعمل العقل والحواس فيما خلقت لأجله ، فسلبها ما كان قد وهبها تأديبا لها ولغيرها.
وقد امتثل المسلمون هذه الأوامر حينا من الدهر ثم تركوها بالتدريج فحلّ بهم ما ترى من النكال والوبال ، كما قال تعالى : «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ».