وبعد أن حث رسوله صلى الله عليه وسلم على الجهاد وأمر المسلمين بمشاركته فيه ، وأمرهم بإظهار المودة وقت السلم ، بين أنهم مجزيون على كل هذا فى يوم لا ريب فيه فقال :
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) جمعت هذه الآية التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء فى الدار الآخرة ، وهما الركنان الأساسيان للدين ، وقد أرسل الرسل جميعا لتبليغ الناس ما يجب عليهم من إقامتهما وتأييدهما بصالح الأعمال ، والقرآن قد يصرح بهما تارة معا ، وبالأول منهما تارة أخرى أثناء ذكر الأحكام ، إذ هما العون الأكبر والباعث الأقوى على العمل بها ولا سيما أحكام القتال الذي يبذل المرء فيه نفسه ونفيسه للدفاع عن حرية الدين ونشر هدايته وتأمين دعاته وأهله.
والمعنى ـ الله لا إله إلا هو ، فلا تقصّروا فى عبادته والخضوع لأمره ونهيه ، فإن فى ذلك سعادتكم وارتقاء أرواحكم وعقولكم وتحريركم من رق العبودية لأمثالكم من البشر ، بل من دونهم من المعبودات التي ذل لها المشركون ، وهو سبحانه سيجمعكم ويحشركم إلى يوم القيامة ، وهو يوم لا ريب فيه ولا فيما يكون فيه من الجزاء على الأعمال.
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً؟) أي لا أحد أصدق منه عز وجل ، إذ كلامه تعالى عن علم محيط بسائر الكائنات كما قال تعالى «لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» فلا يمكن أن يكون خبره غير صادق بسبب النقص فى العلم أو الغرض أو الحاجة ، لأنه تعالى غنىّ عن العالمين.
أما كلام غيره فهو محتمل للصدق والكذب عن عمد وعلم أو عن سهو وجهل ، وقد دل الدليل على أن القرآن كلام الله ، فلم يبق عذر لمن قام عليه الدليل إذا آثر على قوله أقوال المخلوقين كما هو دأب الضالين.
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)