عن الصعود بأرواحهم إلى مستوى الرفعة والكرامة ، لتزكيتهم إياها بالقول الباطل دون الفعل ، فلم تصل بهم نفوسهم إلى مراتب الفوز والفلاح.
وفى الآية موضعان من العبرة :
١) أن الله يجزى عامل الخير بعمله ولو مشركا ، لأن لعمله أثرا فى نفسه يكون مناط.
الجزاء ، فيخفف عذابه عن عذاب غيره كما ورد فى الأحاديث ، إن بعض المشركين يخفف عنهم العذاب بعمل لهم ، فحاتم الطائي بكرمه ، وأبو طالب بكفالته النبي صلى الله عليه وسلم ونصره إياه ، وأبو لهب لعتقه جاريته ثوبة حين بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
٢) أن يحذر المسلمون الغرور بدينهم كما كان أهل الكتاب فى عصر التنزيل وما له ، وأن يبتعدوا عن تزكية أنفسهم بالقول ، واحتقار من عداهم من المشركين ، وأن يعلموا أن الله لا يحابى فى نظم الخليقة أحدا لا مسلما ولا يهوديا ولا نصرانيا ، ألا ترى أن خاتم النبيين قد شجّ رأسه ، وكسرت سنّه ، وردّى فى حفرة من جراء تقصير عسكره فيما يجب من اتباع أمر القائد وعدم مخالفته ، وأن يهتدوا بكتاب الله وبسنته فى الأمم ، وأن يتركوا وساوس الدجالين الذين يصرفونهم عن الاهتداء بهدى كتابهم ، ويشغلونهم بما لم ينزل الله به عليهم سلطانا ، فإنه ما زال ملكهم وما ذهب عزهم إلا بتركهم لهدى دينهم ، واتباعهم لأولئك الدجالين والمشعوذين.
ثم أكد التعجيب من حالهم الذي فهم من الآية السابقة فقال :
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي انظر كيف يكذبون على الله بتزكية أنفسهم وزعمهم أن الله يعاملهم معاملة خاصة بهم ، لا كما يعامل سائر عباده.
(وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) أي إن تزكية النفس ، والغرور بالدين والجنس ، مما يبطّىء عن نافع العمل الذي يثاب عليه الناس ، وكفى بهذا إثما ظاهرا ، لأنه لا أثر له من حق ، ولا سمة عليه من صواب ، فالله لا يعامل شعبا معاملة خاصة تغاير سننه التي وضعها فى الخليقة ، وما مصدر هذه الدعوى إلا الغرور والجهل ، وكفى بذلك شرا مستطيرا.