الذين تركوا أحكام دينهم وحرّفوا كتابهم واشتروا الضلالة بالهدى ، لينبه الذين خوطبوا بالأحكام المتقدمة إلى أن الله مهيمن عليهم كما هيمن على من قبلهم ، فإذا هم قصّروا أخذهم بالعقاب الذي رتبه على ترك أحكام دينه فى الدنيا والآخرة ، والمؤمنون بالله حقا بعد أن سمعوا الوعد والوعيد المتقدمين لا بد أن يأخذوا بهذه الأحكام على الوجه الموصّل إلى إصلاح الأنفس ، وذلك هو الأثر المطلوب منها ، ولن يكون ذلك إلا إذا أخذت بصورها ومعانيها ، لا بأخذها بصورها الظاهرة فحسب.
وقد اكتفى بعض الأمم من الدين ببعض رسومه الظاهرة فقط كبعض اليهود الذين كانوا يكتفون ببعض القرابين وأحكام الدين الظاهرة ، وهذا لا يكفى فى اتباع الدين والقيام به على الوجه المصلح للنفوس كما أراده الله.
فأرشدنا سبحانه إلى أن عمل الرسوم الظاهرة فى الدين كالغسل والتيمم لا يغنى عنهم شيئا إذا لم يطهروا القلوب حتى ينالوا مرضاته ويكونوا أهلا لكرامته ، ولا يكون حالهم كحال بعض من سبقهم من الأمم.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي ألم تنظر إلى هؤلاء الذين أعطوا طائفة من الكتاب الإلهى ، كيف حرموا هدايته واستبدلوا بها ضدها ، فهم يختارون الضلالة لأنفسهم ويريدون أن تضلوا أيها المؤمنون طريق الحق القويم كما ضلوا هم ، فهم دائبون على الكيد لكم ، ليردوكم عن دينكم إن استطاعوا.
والتعبير بالشراء دون الاختيار للإيماء إلى أنهم كانوا فرحين بما عملوا ، ظانين أن الخير كل الخير فيما صنعوا ، والتعبير بالنصيب يدل على أنهم لم يحفظوا كتابهم كله ، إذ هم لم يستظهروه زمن التنزيل كما حفظ القرآن ولم يكتبوا منه نسخا متعددة فى العصر الأول كما فعلنا حتى إذا ما فقد بعضها قام مقامه بعض آخر ، بل كان عند اليهود نسخة