والخلاصة ـ إن ابتغاء مرضاته إنما تطلب بالإخلاص وعدم إرادة السمعة والرياء كما يفعل المتفاخرون من الأغنياء (تصدقنا. أعطينا منحنا. عملنا وعملنا) فهؤلاء إنما يبتغون الربح بما يبذلون أو يعملون لا مرضاة لله تعالى. ولذلك يشق عليهم أن بكون خفيا ، وأن يخلصوا فى الحديث عنه نجيّا ، لأن الاستفادة منه بجذب القلوب إليهم ، وتسخير الناس لخدمتهم ، ورفعهم لمكانتهم ، إنما تكون بإظهاره لهم ليتعلق الرجاء فيهم.
وبعد أن وعد الله بالجزاء الحسن من يتناجون بالخير ويبتغون نفع الناس مرضاة الله عز وجل ـ أوعد الذين يتناجون بالشر ويبيّتون ما يكيدون به للناس فقال :
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) أي ومن يشاقق الرسول بارتداده عن الإسلام وإظهار عداوته له من بعد ما ظهرت له الهداية على لسانه وقامت عليه الحجة ويتبع سبيلا غير سبيل أهل الهدى ـ نوله ما تولى : أي نتركه وما اختار لنفسه ونكله إلى ما توكل عليه.
وفى هذا بيان لسنة الله فى عمل الإنسان ، وإيضاح لما أوتيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار ، فالوجهة التي يتولاها ويختارها لنفسه يوليه الله إياها : أي يجعله واليا لها وسائرا على طريقها ، فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك ما اختار لنفسه بحسب الاستعداد والإدراك وعمل ما يرى أنه خير له وأنفع فى عاجله أو آجله أو فيهما معا ، ثم ندخله جهنم ونعذبه أشد العذاب ، لأنه استحب العمى على الهدى وعاند الحق واتبع الهوى ، وما أقبحها عاقبة لمن تفكر وتدبر! وقد اشترط فى هذا الوعيد أن يتبين له الهدى أما من لم يتبين له فلا يدخل فيه وهم أصناف : فمنهم من نظر فى الدليل ولم يظهر له الحق وبقي متوجها إلى طلبه بتكرار النظر والاستدلال مع الإخلاص وهذا معذور غير مؤاخذ ، ومنهم من لم تبلغه الدعوة الإسلامية أو بلغته مشوهة معكوسة ككثير من أهل أوربا فى العصر الحاضر ، وحال هؤلاء كحال من سبقهم ، ومنهم من اتبع الهدى تقليدا لمن يثق به كآبائه وخاصة أهله ،