(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) لمن توكل عليه ، فهو قادر على إيقاع الجزاء بهم ، وعليم بمقدار ما يستحقون منه ، لا يعجزه منه شىء.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أصل التدبر التأمل فى أدبار الأمور وعواقبها ، ثم استعمل فى كل تأمل سواء كان نظرا فى حقيقة الشيء وأجزائه ، أو سوابقه وأسبابه ، أو لواحقه وأعقابه ، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر فى غاياته ومقاصده التي يرمى إليها ، وعاقبة من يعمل به ومن يخالفه.
أي أجهل هؤلاء القوم حقيقة الرسالة وكنه هذه الهداية فلا يتدبرون القرآن الذي يدل على حقيقتها؟ ولو تدبروه لعرفوا أنه الحق من ربهم وأن ما وعد به المتقين الصادقين وما أنذر به الكافرين والمنافقين واقع لا محالة ، فهو إذ صدق فى الإخبار عما يبيتون فى أنفسهم من القول يصدق كذلك فيما أخبر عن سوء مصيرهم والوبال والنكال فى عاقبتهم.
(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي ولو كان من عندك لا من عند الله الذي أرسله به لوجدوا فيه اختلافا كثيرا لأسباب كثيرة :
١) أن أي مخلوق لا يستطيع تصوير الحقائق كما صورها القرآن بلا اختلاف ولا تفاوت فى شىء منها.
٢) أنه حكى عن الماضي الذي لم يشاهده محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقف على تاريخه ، وعن الآتي فوقع كما أنبأ به ، وعن الحاضر فأخبر عن خبايا الأنفس ومكنونات الضمائر كما أخبر عما بيتته هذه الطائفة مخالفا لما تقول للرسول أو ما يقوله لها فتقبله فى حضرته وترفضه فى غيبته.
٣) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى بيان أصول العقائد وقواعد الشرائع وسياسة الشعوب والقبائل مع عدم الاختلاف والتفاوت فى شىء من ذلك.
٤) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى سنن الاجتماع ونواميس العمران وطبائع الملل والأقوام مع إيراد الشواهد وضرب الأمثال وتكرار القصة الواحدة بالعبارات