الله فى شأنه (وَلا تُجادِلْ) إلخ وكان طعمة قذف بها بريئا ، فلما بين الله شأن طعمة نافق ولحق بالمشركين بمكة فأنزل الله فيه (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) الآية».
الإيضاح
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) أي إنا أنزلنا إليك هذا القرآن بتحقيق الحق وبيانه ، لأجل أن تحكم بين الناس بما أعلمك الله به من الأحكام.
(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) أي ولا تكن لمن خان خصما : أي مخاصما ومدافعا تدافع عنه من طالبه بحقه الذي خان فيه.
وخلاصة ذلك ـ إن عليك ألا تتهاون فى تحرى الحق اغترارا بلحن الخائنين وقوة جدلهم فى الخصومة ، لئلا تكون خصيما لهم وتقع فى ورطة الدفاع عنهم ، ويؤيد هذا
حديث أم سلمة «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىّ ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار».
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) مما يعرض لك من شؤون البشر وأحوالهم بالميل إلى من تراه ألحن بحجته ، أو الركون إلى مسلم لأجل إسلامه تحسينا للظن به ، فهذا ونحوه صورته صورة من أتى ذنبا يوجب الاستغفار وإن لم يكن متعمدا للزيغ عن العدل ، والتحيز للخصم.
وفى هذا من زيادة الحرص على الحق والتشديد فيه ما لا يخفى ، حتى كأن مجرد الالتفات إلى قول المخادع يجب الاحتراس منه.
كما أن فيه إيماء إلى أن الاعتقاد الشخصي والميل الفطري والديني لا ينبغى أن يظهر لهما أثر فى مجلس القضاء ، وإلى أن القاضي لا يساعد من يظن أنه صاحب الحق ، بل عليه أن يساوى بين المتخاصمين فى كل شىء.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم فى هذه القضية قبل نزول الآيات ولم يعمل بغير ما يعتقد أنه تأييد للحق ، لكنه أحسن الظن فى أمر بيّن له علام الغيوب حقيقة الواقع فيه ، وما ينبغى له أن يعامل به ذويه.