كأنه أباح لغيره أن يأكل ماله فالحياة قصاص ، وإرشادا إلى أن صاحب المال يجب عليه بذل شىء منه للمحتاج وعدم البخل عليه به ، إذ هو كأنما أعطاه شيئا من ماله.
وبهذا قد وضع الإسلام قواعد عادلة للأموال لدى من يعتنق مبادئه وهى :
١) أن مال الفرد مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية وحفظ حقوقها ، فهو يوجب على ذى المال الكثير حقوقا معينة للمصالح العامة ، وعلى ذى المال القليل حقوقا أخرى للبائسين وذوى الحاجات من سائر أصناف البشر ، ويحث على البر والإحسان والصدقات فى جمييع الأوقات.
وبهذا لا يوجد فى بلاد الإسلام مضطر إلى القوت أو عريان ، سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، لأن الإسلام فرض على المسلمين إزالة ضرورة المضطر ، كما فرض فى أموالهم حقوقا للفقراء والمساكين.
وكل فرد يقيم فى بلادهم يرى أن مال الأمة هو ماله ، فإذا اضطر إليه يجده مذخورا له ، كما جعل المال المفروض فى أموال الأغنياء تحت سيطرة الجماعة الحاكمة من الأمة حتى لا يمنعه من فى قلبه مرض ، وحثهم على البذل ورغبهم فيه ، وذمهم على البخل ووكل ذلك إلى أنفسهم ، لتقوى لديهم ملكة السخاء والمروءة والرحمة.
٢) أنه لم يبح للمحتاج أن يأخذ ما يحتاج إليه من أيدى أربابه إلا بإذنهم ، حتى لا تنتشر البطالة والكسل بين أفراد الأمة ، وتوجد الفوضى فى الأموال ، والضعف والتواني فى الأعمال ، ويدبّ الفساد فى الأخلاق والآداب.
ولو أقام المسلمون معالم دينهم ، وعملوا بشرائعه ، لضربوا للناس الأمثال واستبان لهم أنه خير شريعة أخرجت للناس ، ولأقاموا مدنية صحيحة فى هذا العصر يتأسى بها كل من يريد سعادة الجماعات ، ولا يجعلها تئنّ تحت أثقال العوز والحاجة ، كما هو حادث الآن من التنافر العام والنظر الشزر من العمال إلى أصحاب رءوس الأموال :
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي لا تكونوا من ذوى الأطماع الذين