وسماهم الله كفارا للإيذان بأن هذه أخلاق وأعمال لا تصدر إلا من الكفور ، لا من المؤمن الشكور.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الرئاء والرياء والمراءاة سواء ، أي إن مانعى الإحسان من أهل الفخر والخيلاء فريقان : فريق يبخلون ويكتمون فضل الله عليهم ، وفريق يبذل المال لا شكرا لله على نعمه ولا اعترافا لعباده بحق ، بل ينفقونها مرائين الناس : أي يقصدون أن يروهم فيعظموا قدرهم ويحمدوا فعلهم.
والكبرياء كما تكون من شىء فى نفس الشخص ، تكون أيضا بما يكون له من المال والنسب ، والمرائى أقل شرا من البخيل ، إذ هو يحمل الناس على قبول فخره واختياله فى مقابلة ما يبذله لهم من مال ، فكأنه رأى لهم عليه حقا عوضا من التعظيم والثناء الذي يطلبه بريائه ، وأما البخيل فقد بلغ من احتقاره للناس أنه لا يرى لهم عليه شيئا من الحقوق ، فهو يكلفهم تعظيمه ، وأمواله مدّخرة فى الصناديق.
والمرائى بخيل فى الحقيقة إذ هو إنما يبذل المال لمن لا حق لهم عنده ، ويبخل على أرباب الحقوق كالزوجة والولد والخادم والأقربين كالوالدين ، ولا يتحرى فى إنفاقه النفع العام ولا الخاص ، وإنما يتحرى مواطن التعظيم والمدح ، وإن كان الإنفاق ضارا كالمساعدة على فسق أو فتنة ، فهو تاجر يشترى تعظيم الناس له وتسخيرهم للقيام بخدمته.
(وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إن المؤمنين المرائين فى إنفاقهم يثقون بما عند الناس من المدح والثناء والتعظيم والإطراء ، ولا يثقون بما أعد الله لعباده من الثواب والجزاء ، ويفضلون التقرب إليهم على التقرب إليه ، فالله فى نظرهم أهون من الناس ، فمثل هؤلاء لا يعدّون مؤمنين إيمانا حقيقيا بالله ولا باليوم الآخر ، بل إيمانهم ضرب من التخيل ليس له ما يؤيده من أثر فى القلب ولا إذعان للنفس ، فهم لا يعرفون الله ، وإنما يسمعون الناس يقولون قولا فيقلدونهم فيما يحفظونه منهم ، فهم لا يعرفون أنه موجد الكائنات النافذ علمه وقدرته فيما فى الأرض والسموات ، ولو كانوا مؤمنين باليوم الآخر وأن هناك حياة أبدية لما فضلوا عليها عرض هذه الحياة القصيرة.