وخلاصة ما تقدم :
١) إن الشرك فى العبادة الذي يتجلى فى الدعاء ، هو أقوى أنواع الشرك ، لأنه يكون باعتقاد ناشىء عن وجدان حاكم على النفس مستعبد لها.
٢) إن دون هذا ـ الشرك المبنى على الفكر والنظر الذي يحاجك فيه صاحبه بالشبهات ، المنتزعة من تشبيه الخالق بالمخلوق ، وقياسه على ظلمة الملوك ، كقولهم : إن الإنسان الخاطئ لا يليق أن يخاطب الإله العظيم مباشرة ، بل عليه أن يتخذ له وليا يكون واسطة بينه وبينه ، كما يتخذ آحاد الرعية الوسائط إلى الملوك والأمراء من المقربين إليهم.
ومثله من يشرك فى ربوبية الله باتخاذ بعض المخلوقين شارعين يحلّون له ما يرون تحليله ويحرّمون عليه ما يرون تحريمه فيتبعهم فى ذلك ٣) إن الجزاء فى الآخرة يكون تابعا لما تكون عليه النفس فى الدنيا من سلامة العقيدة ، ومقدار درجة الفضيلة ، التي يلازمها فعل الخيرات ، أو فساد الفطرة وخطأ العقيدة ، والتدنس بالرذيلة ، التي يلازمها فعل السيئات.
٤) إن الناس متفاوتون فيما بين ذلك من درجات ودركات ، أخسها الشرك وأعلاها التوحيد ، ولكل منهم صفات تناسبها ، فلو جاز أن يغفر الشرك ويجعل صاحبه مع النبيين والصديقين والملائكة المقربين لكان ذلك نقضا لسنة الله التي لا تبديل فيها ولا تغيير.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أي هؤلاء المشركون لا يدعون لقضاء حاجتهم وتفريج كربهم إلا أمواتا فقد كانوا يعظمون الموتى ويدعونها كما يفعل ذلك كثير من أهل الكتاب ومسلمى هذه القرون ، أو إلا إناثا كاللات والعزّى ، وقد كان لكل قبيلة صنم يسمونه أنثى بنى فلان (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) أي وما يعبدون بعبادتها إلا شيطانا مريدا ، إذ هو الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم بها ، فكانت طاعتهم له عبادة.