ومن أمارات التفرقة بين المخلص والمرائى ، أن الأول قلما يتذكر عمله أو يذكره إلا لمصلحة كترغيب بعض الناس في البذل كأن يقول إنى على ما بي من فقر قد أعطيت كذا درهما فى مصلحة كذا فاللائق بمثلك أن يبذل كذا وكذا درهما.
أما الثاني فهو يلتمس الفرص والمناسبات للفخر والتبجح بما أعطى وما فعل ، كما لا يبذل المال ولا يعمل العمل الصالح إلا بقصد الرياء والسمعة ، إذ ليس له وراء حظوظ الدنيا أمل ولا مطلب.
(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ ، لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) أي إن هؤلاء المتكبرين ما حملهم على ما فعلوا إلا وسوسة الشيطان وهو بئس الصاحب والخليل ـ والمقصد من هذا أن حالهم فى الشر كحال الشيطان.
وفى الآية إيماء إلى تأثير قرناء المرء فى سيرته وأن الواجب اختيار القرين الصالح على قرين السوء ، وتعريض بتنفير الأنصار من معاشرة اليهود الذين كانوا ينهونهم عن الإنفاق فى سبيل الله ، وبيان أنهم شياطين يعدون الفقر وينهون عن العرف.
أما القرين الصالح فهو عون على الخير مرغّب فيه ، منفر بسيرته ونصحه عن الشر مبعد عنه ، مذكر بالتقصير مبصر بالعيوب ، وكم أصلح القرين الصالح فاسدا ، وكم أفسد قرين السوء صالحا.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ؟) أي وما الذي كان يصيبهم من الضرر لو آمنوا بالله إيمانا صحيحا يظهر أثره فى العمل؟ وفى هذا الأسلوب إثارة تعجيب الناس من حالهم ، إذ هم لو أخلصوا لما فاتتهم منفعة الدنيا ، ولفازوا مع ذلك بسعادة العقبى.
فكثيرا ما يفوت المرائى ما يرمى إليه من التقرّب إلى الناس وامتلاك قلوبهم ، ويظفر بذلك المخلص الذي لم يكن من همه أن أحدا يعرف ما عمل ، فيكون الأول قد رجع بخفّى حنين ، بينما الثاني فاز بسعادة الدارين فجهله جدير بأن يتعجب منه ، لأنه جهل بالله وجهل بأحوال الناس ، ولو آمن وأخلص ووثق بوعد الله ووعيده لكان فى هذا سعادته ، فالإيمان سلوى من كل