ذاك أن المؤمن يحب أن يكون أعز الناس نفسا وأعظمهم كرامة ، فلا يرضى أن يستعبده سلطان ظالم ولا حاكم مستعبد ، إذ هو يعلم علم اليقين أن الكل عبيد مسخرون لله تعالى يخضعون لأمره ، وأن ذلك منتهى سعادتهم فى الدارين.
(وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي ومن أعرض عن طاعتك التي هى طاعة الله فليس لك أن تكرهه عليها ، لأنك ما أرسلت إلا مبشرا ونذيرا ولم ترسل مسيطرا أو رقيبا تحفظ على الناس أفعالهم وأقوالهم ، فالإيمان والطاعة إنما يكونان بالاختيار بعد الإقناع والاختبار.
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي ويقول ذلك الفريق الذين أخبر الله عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ، إذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر : أمرك طاعة ـ أي أمرك مطاع ، إظهارا لكمال الانقياد والخضوع.
(فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) البراز ـ بفتح الباء ـ الأرض الفضاء ، والتبييت ما يدبر فى الليل من رأى ونية وعزم على عمل ، ومنه تبييت العدو للإيقاع به ليلا ، أي إذا خرجوا من المكان الذي يكونون معك فيه إلى البراز وهم منصرفون إلى بيوتهم ، دبر جماعة منهم ليلا غير الذي قالوا لك وأظهروه من الطاعة نهارا.
روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال : هم ناس يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، وإذا برزوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعاتبهم الله على ذلك.
(وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي يبينه لك فى كتابه ويفضحهم بمثل هذه الآيات ، وفى هذا من التهديد الشيء الكثير.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولا تهتمّ بما يبيتون ولا تؤاخذهم بما أسروا ولم يعلنوا.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوّض الأمر إليه ، وثق به فى جميع أمورك ، فإن الله يكفيك شرهم وينتقم لك منهم.