بالذات وإنما هى لمن بلغ عنه ، إذ قد جرت سنته سبحانه ألا يأمر الناس ولا ينهاهم إلا بواسطة رسل منهم يفهمون عنهم ما يوحيه إليهم ليبلغوه عنه.
أما ما يقوله الرسول من تلقاء نفسه وما يأمر به مما يستحسنه باجتهاده ورأيه من أمور المعيشة كتأبير النخل (تلقيحه بطلع الذكر) ونحوه مما يسميه العلماء أمر إرشاد ، فطاعته فيه ليست من الفرائض التي فرضها الله ، لأنه ليس دينا ولا شرعا عنه تعالى ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكيل الطعام كالقمح وغيره من الحبوب عند طحنه وعند عجنه وهو من التدبير والاقتصاد فى البيوت ، وأكثر المسلمين أهملوه إلا من تعوّد منهم التدبير وحسن التقدير فى المنازل ، وكذلك أمر بأكل الزيت والادّهان به.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا شكّوا فى الأمر أمن عند الله هو أم من رأى الرسول واجتهاده؟ وكان لهم فى ذلك رأى آخر سألوه ، فإن أجابهم بأنه من الله أطاعوه بلا تردّد ، وإن قال إنه من رأيه ذكروا رأيهم ، وربما رجع النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه إلى رأيهم كما فعل فى بدر وأحد.
روى مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول «من أحبنى فقد أحب الله ومن أطاعنى فقد أطاع الله ، فقال المنافقون : ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟ لقد قارف الشرك ، قد نهى أن نعبد غير الله ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ، فأنزل الله هذه الآية».
فالمؤمن حقا لا يكون خاضعا إلا لخالقه وحده دون أحد من خلقه ، والخروج عن ذلك شرك ، وهو نوعان :
١) أن ترى لبعض المخلوقات سلطة غيبية وراء الأسباب العادية ، ومن ثم ترجو نفعها وتخاف ضرها وتدعوها وتذل لها ، وذلك هو الشرك فى الألوهية.
٢) أن ترى لبعض المخلوقين حق التشريع والتحليل والتحريم ، كما فسر النبىّ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ» بطاعتهم فيما يحللون ويحرمون ، وذلك هو الشرك فى الربوبية.