بررة عند الله ، مع ما هم عليه من الكفر وعظيم الذنب ، زعما منهم أن الله يكفر لهم ذنوبهم التي عملوها ، والله لا يغفر لكافر شيئا من كفره ومعاصيه.
وتزكية النفس تارة تكون بالعمل الذي يجعلها زاكية طاهرة كثيرة الخير والبركة بتنمية فضائلها وكمالاتها ، ولا يكون ذلك إلا بابتعادها عن الشرور والآثام التي تعوقها عن الخير وهذه التزكية محمودة ، وهى التي عناها الله سبحانه بقوله : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها».
وتارة تكون بالقول بادعاء الكمال والزكاة ، وقد اتفق العقلاء على استهجان تزكية المرء نفسه بالقول ولو حقا ، ومصدر هذه التزكية الجهل والغرور ، ومن آثاره السيئة الاستكبار عن قبول الحق ، والانتفاع بالنصح.
روى ابن جرير عن الحسن أن الآية نزلت فى اليهود والنصارى حيث قالوا «نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» وقالوا «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى» وقالت اليهود «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً» وروى عن السدى أنه قال :
نزلت فى اليهود حيث قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا تكون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار كفّر عنا بالليل.
وقد رد الله عليهم دعواهم الزكاة والطهارة فقال :
(بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي لا عبرة بتزكيتكم أنفسكم بأن تقولوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وبأنكم لا تعذبون فى النار ، لأنكم شعب الله المختار ، وتتفاخروا بنسبكم وبدينكم ، بل الله يزكى من يشاء من عباده ، من أي شعب كان ، ومن أي قبيلة كانت ، فيهديهم إلى صحيح العقائد ، وفاضل الآداب ، وصالح الأعمال.
(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي ولا ينقص الله هؤلاء الذين يزكون أنفسهم شيئا من الجزاء على أعمالهم.
فخذلانهم فى الدنيا بالعبودية لغيرهم ، وفى الآخرة بالعذاب والحرمان من النعيم والثواب ، ما كان بظلم من الله عز اسمه ، بل كان بنقصان درجات أعمالهم ، وعجزها