وبالتوحيد يعتق المرء من رق العبودية لأحد من البشر أو لشىء من الأشياء السماوية أو الأرضية ، ويكون حرا كريما لا يخضع إلا لمن خضعت لسننه الكائنات ، بما أقامه من ربط الأسباب بالمسببات.
والخلاصة ـ إن أرواح الموحدين تكون راقية لا تهبط بها الذنوب إلى الحضيض الذي تهوى إليه أرواح المشركين ، إذ مهما عمل المشرك من الطيبات ، فإن روحه تبقى مظلمة بالعبودية والخضوع لغير الله ، ومهما أذنب الموحدون ، فإن ذنوبهم لا تحيط بأرواحهم ، إذ خيرهم يغلب شرهم ، ولا يبعد بهم الأمد وهم فى غفلة عن ربهم كما قال تعالى «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» فهم يسرعون إلى التوبة ويتبعون السيئة بالحسنة حتى يذهب أثرها من النفس ، وذلك هو غفرانها.
(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أي ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده الذين أذنبوا ، ومشيئة الله تعالى تكون وفق حكمته ، وعلى مقتضى سنته فى خليقته ، وقد جرت سنته بألا يغفر الذنوب التي لا يتوب صاحبها ، ولا يتبعها بالحسنات التي تزيل آثارها من نفس فاعلها.
وقصارى ذلك ـ إن الشرك لإفساده للنفوس يترتب عليه العقاب حتما فى الدنيا والآخرة ، وما عداه لا يصل إلى درجته فى إفساد النفوس ، فمغفرته ممكنة تتعلق بها المشيئة الإلهية ، فمنه ما يكون تأثيره السيء فى النفوس قويا ، ومنه ما يكون ضعيفا يغفر بالتأثير بصالح العمل.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) أي ومن يجعل لغير الله شركة مع الله قيّوم السموات والأرض ـ سواء أكانت الشركة بالإيجاد أو بالتحليل والتحريم ـ فقد اخترع ذنبا عظيم الضرر ، تستصغر فى جنب عظمته جميع الذنوب والآثام ، فهو جدير بألا يغفر ، وما دونه قد يمحى بالغفران.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي انظر واعجب من الذين يدّعون أنهم أزكياء