رضي الله عنهما أنه أدخل يده فى التراب ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة ، والظلم : النقص كما قال تعالى : «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» ومن لدنه : من عنده ، والحديث الكلام.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن عز اسمه صفات المتكبرين وسوء أحوالهم وتوعدهم على ذلك بأشد أنواع الوعيد ـ زاد الأمر توكيدا وتشديدا فذكر أنه لا يظلم أحدا من العاملين بوصاياه لا قليلا ولا كثيرا ، بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم ، وفى هذا أعظم الترغيب لفاعلى البر والإحسان وحفز لهممهم على العمل ، وفى معنى الآية قوله : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ».
الإيضاح
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي إنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله ، والجزاء عليه شيئا ما وإن صغر كذرة الهباء بل يوفيه أجره ، كما لا يعاقبه بغير استحقاق للعقوبة ، إذ أن الثواب والعقاب تابعان لتأثير الأعمال فى النفس بتزكيتها أو تدسيتها ، فالعمل يرفعها إلى أعلى عليين أو يهبط بها إلى أسفل سافلين ، ولذلك درجات ومثاقيل مقدّرة فى نفسها لا يحيط بدقائقها إلا من أحاط بكل شىء علما.
والخلاصة ـ إن الظلم لا يقع من الله تعالى لأنه من النقص الذي يتنزه عنه وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم ، وقد خلق للناس مشاعر يدركون بها ما لا يدركه الحس ، وشرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله فى هدايتهم وحفظ مصالحهم ، وهى تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر وأيدها بالوعد والوعيد ، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه كان هو الظالم لنفسه لأن الله لا يظلم أحدا.