ما نرى الحوّل القلّب لا يحصل إلا على الكفاف من الرزق بعد الجهد الجهيد ، بينما نرى الأحمق يتقلب فى نعيم العيش وزخرف الدنيا ، ولله درّ سفيان بن عيينة إذ يقول :
كم من قوىّ قوىّ فى تقلبه |
|
مهذّب الرأى عنه الرزق منحرف |
ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط |
|
كأنه من خليج البحر يغترف |
(فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي فما الذين فضّلوا بالرزق وهم الموالى بجاعلى رزقهم من الأموال وغيرها ـ شركة بينهم وبين مماليكهم بحيث يساوونهم فى التصرف فيها ويشاركونهم فى تدبيرها.
والخلاصة ـ إن الله جعلكم متفاوتين فى الرزق ، فرزقكم أكثر مما رزق مماليككم ، وهم بشر مثلكم وإخوانكم ، فكان ينبغى أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم وتتساووا وإياهم فى الملبس والمطعم والمسكن ، لكنكم لم ترضوا بهذه المساواة مع أنهم أمثالكم فى البشرية والمخلوقية لله عزّ وجلّ ، فما بالكم تشركون بالله فيما يليق إلا به من الألوهية والمعبودية بعض عباده ، بل أخس مخلوقاته.
وهذا مثل ضربه الله سبحانه لبيان قبح ما فعله المشركون من عبادة الأصنام والأوثان تقريعا لهم.
ونحو الآية قوله : «هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ؟».
(أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ؟) إذا أضافوا بعض تلك النعم الفائضة عليهم من مولاهم إلى شركائهم ، وجعلوها أندادا ، وهى لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.
ثم ذكر ضروبه أخرى من ضروب نعمه على عباده تنبيها إلى جليل إنعامه بها إذ هى زينة الحياة فقال :
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أي والله سبحانه جعل لكم أزواجا من جنسكم ، تأنسون بهن ، وتقوم بهن جميع مصالحكم