وتفسد حواسه ويكون فى عقله وقوته كالطفل كما قال : «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ».
أخرج البخاري وابن مردويه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول فى دعائه : «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات» وثبت أنه صلى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ بالله أن يرد إلى أرذل العمر ، ونقل عن على كرم الله وجهه أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة ، وهذا ليس بالمطرد ولا بالكثير.
(لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أي إنما رده إلى أرذل العمر ليعود جاهلا كما كان حين طفولته وصباه ، لا يعلم شيئا مما كان يعلمه فى شبابه ، لأن الكبر قد أضعف عقله وأنساه ، فلا يعلم شيئا مما كان يعلم ، وقد انسلخ من عقله بعد أن كان كامل العقل.
وخلاصة ذلك ـ إنه يكون نسّاء ، فإذا كسب علما فى شىء لم يلبث أن ينساه ويزول من ساعته ، فيقول لك من هذا؟ فتقول له هذا فلان ، فلا يمكث إلا هنيهة ثم يسألك عنه مرة أخرى.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أي إن الله عليم بكل شىء ، فيعلم وجه الحكمة فى الخلق والتوفى والرد إلى أرذل العمر ، ولا ينسى شيئا من ذلك ، وهو قدير على كل شىء فلا يعجزه شىء أراده.
ومجمل القول ـ إن ما يعرض فى الهرم من ضعف القوة والقدرة وانتفاء العلم يتنزه عن مثله المولى جل شأنه ، فهو كامل العلم تام القدرة ، لا يتغير شىء منهما بمرور الأزمنة كما يتغير علم البشر وقدرتهم.
ولما ذكر سبحانه تفاوت الناس فى الأعمار ذكر تفاوتهم فى الأرزاق فقال :
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) أي والله تعالى جعلكم متفاوتين فى أرزاقكم ، فمنكم الغنى ومنكم الفقير ، ومنكم المملوك ومنكم المالك ، وأعطاكم من الرزق أكثر مما أعطى مماليككم ، ولم يجعل ذلك بحسن الحيلة وفضل العقل فحسب ، فكثيرا