يُفْسِدُونَ) أي الذين جحدوا نبوّتك وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربك ، وصدوا عن الإيمان بالله ورسوله من أراده ، زدناهم عذابا فوق عذابهم الذي يستحقونه بكفرهم ، بسبب استمرارهم على الإفساد بالصد عن سبيل الله.
وخلاصة ذلك ـ إنهم يعذبون عذابين : عذابا على الكفر ، وعذابا على الإضلال وصد الناس عن اتباع الحق.
ونحو الآية قوله : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي وهم ينهون الناس عن اتباعه ، وهم يبتعدون منه أيضا ، روى الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح فى النار فإذا أتوه تلقّاهم عقارب كأنهم البغال الدهم ، وأفاع كأنهن البخاتىّ (ضخام الإبل) تضربهم فذلك الزيادة».
وفى الآية دليل على تفاوت الكفّار فى عذابهم ، كما يتفاوت المؤمنون فى منازلهم فى الجنة ودرجاتهم فيها.
ثم خاطب سبحانه عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم فقال :
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) أي واذكر أيها الرسول ذلك اليوم وهوله يوم يبعث الله نبى كل أمة شاهدا عليهم ، فيكون أقطع للمعذرة ، وأظهر فى إتمام الحجة عليهم ، وجئنا بك شهيدا على أمتك ، بما أجابوك ، وبما عملوا فيما أرسلتك به إليهم.
وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدر سورة النساء ، فلما وصل إلى قوله «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم «حسبك» فقال ابن مسعود : فالتفتّ فإذا عيناه تذرفان.
ثم ذكر ما تفضل به من الوحى على رسوله فقال :
(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) أي ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانا لكل ما بالناس إليه حاجة من معرفة