(٢) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله ، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربى مبين ، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمى ، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله؟.
الإيضاح
(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم آية أخرى ، والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل من أحكامه ـ قال المشركون المكذبون لرسوله : إنما أنت متقوّل على الله تأمر بشىء ثم تنهى عنه ، وأكثرهم لا يعلمون ما فى التبديل من حكم بالغة.
وقليل منهم يعلمون ذلك وينكرون الفائدة عنادا واستكبارا.
وفى قوله (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) توبيخ لهم وإيماء إلى أن التبديل لم يكن للهوى ، بل كان لحكمة اقتضته ودعت إليه من تغير الأحوال والأزمان ، ألا ترى أن الطبيب يأمر المريض بدواء بعينه ، ثم إذا عاده مرة أخرى نهاه عن ذلك الدواء وأمره بضده أو بما لا يقرب منه بحسب ما يرى من حال المريض؟.
وهكذا الشرائع إنما توضع مشاكلة للزمان والمكان والأحوال الملابسة لها ، وقد يطرأ ما يغيّرها ويستدعى وضع تشريع آخر يكون أصلح للأحوال المفاجئة ، والمشاهدة تدل على صدق هذا ، فإنا نرى القوانين الوضعية تغيّر آنا بعد آن إذا جدما يستدعى ذلك ، وقد تقدم بسط هذا فى سورة البقرة.
ثم بين لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ ، الزاعمين أن ذلك لم يكن من عند الله ، وأن رسوله صلى الله عليه وسلّم قد افتراه فقال :
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) أي قل لهم : قد جاء جبريل من عند ربى بما أتلوه عليكم ، واقتضته الحكمة البالغة ، من تثبيت المؤمنين وتقوية إيمانهم بما فيه من أدلة قاطعة وبراهين ساطعة ، على