أما الرسول فحماه أبو طالب ، وأما أبو بكر فحماه قومه ، وأخذ الآخرون وألبسوا دروع الحديد ، ثم أجلسوا فى الشمس ، فبلغ منهم الجهد بحرّ الحديد والشمس ، وأتاهم أبو جهل يشتمهم ويوبّخهم ويشتم سمية ثم طعنها بحربة فى ملمس العفة ، وقال الآخرون ما نالوا به منهم ، إلا بلالا فإنهم جعلوا يعذبونه فيقول : أحد أحد حتى ملّوا ، فكتفّوه وجعلوا فى عنقه حبلا من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به ، حتى ملّوه فتركوه.
وقال عمار : كلنا تكلم بالذي أرادوا غير بلال فإن نفسه هانت عليه فتركوه ، وقال خبّاب : لقد أوقدوا لى نارا ما أطفأها إلا ودك (دهن) ظهرى.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))
تفسير المفردات
أصل الفتن : إدخال الذهب فى النار لتظهر جودته من رداءته ، ثم استعمل فى المحنة والابتلاء يصيب الإنسان ، تجادل : أي تدفع وتسعى فى خلاصها ، والنفس الأولى الجثة والبدن ، والنفس الثانية عينها وذاتها ، وتوفى : تعطى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف حال من كفر بالله من بعد إيمانه ، وحكم بأنه استحق غضب الله وعذابه الأليم يوم القيامة ، ثم ذكر حال من أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه وقلبه ملىء بالإيمان ـ أردف ذلك بذكر طائفة من المسلمين كانوا مستضعفين بمكة مهانين فى قومهم فوافقوا المشركين على الفتنة فى الدين والرجوع إلى دين آبائهم وأجدادهم ثم فرّوا وتركوا بلادهم وأهليهم ابتغاء رضوان الله وطلب