(وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي إن كل نبات قد وزنت عناصره وقدرت تقديرا ، فترى العنصر الواحد يختلف فى نبات عنه فى آخر بوساطة امتصاص الغذاء من العروق الضاربة فى الأرض ومنها يرفع إلى الساق والأغصان والأوراق والأزاهير ، والذي حدد هذا الاختلاف ، تلك الفتحات الشعرية التي فى ظواهر الجذور وثقوب كل نبات لا تسع إلا المقدار اللازم لها من العناصر وتطرد ما سواه ، لأنه لا يلائمها ، إذ هى قد كونت على هيئة خاصة بحيث لا تبتلع إلا تلك المقادير بعينها.
وهاك عنصر البوتاس تره يدخل فى حب الذرة الذي نأكله بمقدار ٣٢ خ وفى القصب ٣ ر ٣٤ خ وفى البرسيم بمقدار ٦ ر ٣٤ خ وفى البطاطس بمقدار ٥ ر ٦١ خ وبهذا التفاوت صلح القصب لأن يكون سكرا ، والبرسيم لأن يكون قوتا للبهائم ، والذرة والبطاطس لأن تكونا قوتا للإنسان.
وحسبك دليلا على ذلك ما تجده فى سورة الرحمن من قوله : «وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ» كما نظم سبحانه الكواكب فى سيرها وأوضاعها ، وحركاتها وأضوائها ، ووزن عناصرها بمقادير يتناسب بعضها مع بعض.
فلك الحمد ربنا جعلت كل شىء فى الحياة موزونا بقدر معلوم ، لتتدبر نظم الحياة ، فنعرف قدرة منشىء العالم ، وأنه لم يخلق شيئا فيه جزافا ، ليكون فيه دليل على قدرة المبدع والمدبر له حال وجوده.
(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي إن أنواع معايشكم من غذاء وماء ، ولباس ودواء ، قد سخرناها لكم فى الأرض ، فلا السمك فى البحر غذّيتموه ، ولا الطير فى الجوّ ربيتموه ، ولا غيرهما من أشجار الجبال والغابات وحيوان البر والبحر خلقتموه.
(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أي وجعلنا لكم فيها من لستم رازقيه من العيال والمماليك والخدم والدواب. وفى هذا إيماء إلى أن الله يرزقهم وإياهم لا أنهم يرزقون منهم ، وفى ذلك عظيم المنة ، وجزيل الفضل والعطاء ، وواسع الرحمة لعباده.