وإيراد هذه العبارة بين سابق الكلام ولاحقه ـ إنذار للمشركين وتهديد لهم بما فى مخالفة الأنبياء من عظيم الوبال والنكال ، كما ذكر مثل القرية فيما سلف ، إلى أن فيه حثا على إجابة الدعوة التي تضمنها سابق الكلام وأمروا بها فى لا حقه ، ثم فصل سبحانه ما أمر باتباع إبراهيم فيه فقال :
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ادع أيها الرسول من أرسلك إليهم ربك بالدعاء إلى شريعته التي شرعها لخلقه بوحي الله الذي يوحيه إليك ، وبالعبر والمواعظ التي جعلها فى كتابه حجة عليهم ، وذكرهم بها فى تنزيله كالذى عدده فى هذه السورة. وخاصمهم بالخصومة التي هى أحسن من غيرها بأن تصفح عما نالوا به عرضك من أذى ، وترفّق بهم بحسن الخطاب ، كما قال فى آية أخرى «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» الآية ، وقال آمرا موسى وهرون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون «فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى».
ثم توعد سبحانه ووعد فقال :
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي إن ربك أيها الرسول هو أعلم بمن جار عن قصد السبيل من المختلفين فى السبت وغيره ، وأعلم بمن كان منهم سالكا قصد السبيل ومحجة الحق ، وهو مجازيهم جميعا حين ورودهم إليه بحسب ما يستحقون.
وخلاصة ذلك ـ اسلك فى الدعوة والمناظرة الطريق المثلى ، وهى الدعوة بالتي هى أحسن ، وليس عليك غيرها.
أما الهداية والضلال والمجازاة عليهما فإلى الله سبحانه لا إلى غيره ، إذ هو أعلم بحال من لا يرعوى عن الضلال لسوء اختياره ، وبحال من يصير أمره إلى الاهتداء ، لما ينطوى بين جنبيه من الخير ، فما شرعه لك فى الدعوة هو الذي تقتضيه الحكمة ، وهو كاف فى هداية المهتدين وإزالة عذر الضالين.