وبعد أن شرح سبحانه دلائل وحدانيته أرشد إلى أنه كفيل ببيان الطريق السوي لمن أراده فقال :
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي وعلى الله بيان الطريق المستقيم الموصّل من ملكه إلى الحق ، بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهم السلام وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضلّ عليها.
ونحو الآية قوله : «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» وقوله «هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ».
(وَمِنْها جائِرٌ) أي ومن السبل سبيل جائر عن الاستقامة ، معوج زائغ عن الحق ؛ فالسبيل القاصد هو الإسلام ، والجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى ، سماوية كانت أو أرضية.
وخلاصة هذا ـ إن ثمة طرقا تسلك للوصول إلى الله ، وليس يصل إليه منها إلا الطريق الحق ، وهى الطريق التي شرعها ورضيها وأمر بها ، وهى طريق الإسلام له والإخبات إليه وحده كما أرشد إلى ذلك بقوله : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» وما عداها فهو جائر ، وعلى الله بيان ذلك ، ليهتدى إليه الناس ، ويبتعدوا عن سواه.
ثم أخبر سبحانه بأن الهداية والضلال بقدرته ومشيئته فقال :
(وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي ولو شاء سبحانه لجعلكم كالنمل والنحل فى حياتكم الاجتماعية ، أو جعلكم كالملائكة مفطورين على العبادة وتقوى الله ، فلا تتجه نفوسكم إلى المعصية ، ولا تسعى إلى الشر ، ولكنه شاء أن يجعلكم تعملون أعمالكم باختياركم وتسعون إليها بعد بحثها وفحصها من سائر وجوهها ، ثم ترجّحون منها ما تميل إليه نفوسكم ، وما ترون فيه الفائدة لكم كما قال عزمن قائل : «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ