وبعد أن نبههم سبحانه إلى عظمته ذكّرهم بنعمه عليهم وإحسانه إليهم فقال :
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي وإن تعدوا نعم الله لا تضبطوا عددها فضلا عن أن تستطيعوا القيام بشكرها ، فإن العبد مهما أتعب نفسه فى طاعته ، وبالغ فى شكران نعمه ، فإنه يكون مقصرا ، فنعم الله كثيرة ، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها ، ومن ثم فهو يتجاوز عن ذلك التقصير ، وإلى ذلك أشار بقوله :
(إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) فيستر عليكم تقصيركم فى القيام بشكرها.
(رَحِيمٌ) بكم فيقيض عليكم نعمه مع استحقاقكم للقطع والحرمان ، بما تأتون وما تذرون من أصناف الكفر والعصيان ، ومن أفظع ذلك وأعظمه جرما المساواة بين الخالق والمخلوق.
قال بعض الحكماء : إن أىّ جزء من البدن إذا اعتراه الألم نغّص على الإنسان النعم ، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت فى ملكه حتى يزول عنه ذلك الألم ، وهو سبحانه يدبّر جسم الإنسان على الوجه الملائم له ، مع أنه لا علم له بوجود ذلك ، فكيف يطيق حصر نعمه عليه أو يقدر على إحصائها ، أو يتمكن من شكر أدناها؟.
ربنا هذه نواصينا بيدك ، خاضعة لعظم نعمك ، معترفة بالعجز عن تأدية الشكر لشىء منها ، لا نحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، ولا نطيق التعبير بالشكر لك ، فتجاوز عنا ، واغفر لنا ، وأسبل ذيول سترك على عوراتنا ، فإنك إلا تفعل نهلك ، لتقصيرنا فى شكر نعمك ، فكيف بما فرط منا من التساهل فى الائتمار بأوامرك ، والانتهاء عن مناهيك؟
العفو يرجى من بنى آدم |
|
فكيف لا يرجى من الربّ اه |
وبعد أن أبطل عبادة لأصنام ، من قبل أنها لا قدرة لها على الخلق والإنعام ، أبطل عبادتها بوجه آخر وهو أن الإله يجب أن يكون عليما بالسر والعلانية ، وهذه الأصنام جماد لا معرفة لها بشىء فكيف تجمل عبادتها؟ وإلى ذلك أشار بقوله :
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أي والله يعلم ما تسرونه فى ضمائركم ، وتخفونه عن غيركم ، وما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم ، وهو محص ذلك كله عليكم