أوتوا العلم بدلائل التوحيد وهم الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنون الذين كانوا يدعونهم فى الدنيا إلى دينهم ، فيجادلون وينكرون عليهم : إن الذل والهوان والعذاب يوم الفصل على الكافرين بالله وآياته ورسله ـ ومرادهم بهذه المقالة الشماتة وزيادة الإهانة للكافرين ثم بين أن الكافرين الذين يستحقون هذا العذاب هم الذين استمر كفرهم إلى أن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم فقال :
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي الكافرين الذين تقبض ملائكة الموت أرواحهم وهم ظالموا أنفسهم ومعرّضوها للعذاب المخلّد بكفرهم ، وأي ظلم للنفس أشد من الكفر؟
ثم ذكر حالهم حينئذ من الخضوع والمذلة فقال :
(فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) أي فاستسلموا وانقادوا حين عاينوا العذاب قائلين : ما كنا نشرك بربنا أحدا ، وهم قد كذبوا على ربهم واعتصموا بالباطل رجاء النجاة.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم : «وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ».
ثم أكذبهم سبحانه فيما قالوا فقال :
(بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي بل كنتم تعملون أعظم السوء وأقبح الآثام والله عليم بذلك ، فلا فائدة لكم فى الإنكار والله مجازيكم بأفعالكم.
ثم بين ما يترتب على قبيح أفعالهم فقال :
(فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي فادخلوا طبقات جهنم ، وذوقوا ألوانا من العذاب ، بما دنستم به أنفسكم من الإشراك بربكم ، واجتراحكم عظيم الموبقات والمعاصي ـ خالدين فيها أبدا ، وبئس المقيل والمقام دار الذل والهوان لمن كان متكبرا عن اتباع الرسل والاهتداء بالآيات التي أنزلت عليهم ، وما أفظعها من دار ، وصفها ربنا بقوله : «لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها»