وبمن جاء به ويظنون أنها تنفعهم عند الله وتنجيهم من عذابه ، ثم تخيب فى العاقبة آمالهم ويلقون خلاف ما قدّروا ـ بالسراب يراه من اشتد به العطش فيحسبه ماء فيطلبه ويظن أنه قد حصل على ما يبغى ، حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ـ هكذا حال الكافرين يحسبون أعمالهم نافعة منجيّة لهم من بأس الله ، حتى إذا جاءهم العذاب يوم القيامة لم تنفعهم ولم تغنهم من عقابه إلا كما ينتفع بالسراب من اشتد ظمؤه ، واحتاج إلى ما به يروى غلّته.
ثم بين شديد عقابه بقوله :
(وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أي ووجد عقاب الله الذي توعد به الكافرين أمامه ، وتحوّل ما كان يظنه نفعا عظيما إلى ضرر محقق وتجيئه الزبانية تعتله وتسوقه إلى جهنم وتسقيه الحمم والغساق.
ونحو الآية قوله : «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً».
(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا يشغله حساب عبد عن حساب آخر.
وخلاصة ما سلف ـ إن الخيبة والخسران فى الآخرة لمن عملوا صالح الأعمال فى الدنيا كصلة الأرحام ، وإغاثة الملهوفين ، وقرى الأضياف ونحو ذلك. وظنوا أنها تنجيهم من عذاب ربهم ، وهم مع ذلك جاحدو ووحدانيته مكذبون لرسله ، فما مثلهم إلا مثل من اشتد أوامه ورأى السراب فخاله ماء وظن أنه قد وجد ضالته فسعى إليه ، حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ورجع يخفّى حنين.
هذه حالهم فى الآخرة ، أما حالهم فى الدنيا فكما قال :
(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) أي ومثل أعمالهم التي عملت على غير هدى مثل ظلمات مترادفة فى بحر عميق ماؤه ، بعيد غوره ، يغطّيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ـ فالظلمات هى أعمال الكافرين ، والبحر اللجىّ قلوبهم التي غمرها الجهل ، وتغشبتها الحيرة والضلالة ، فلا تعقل ما فى السكون من