الذين يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم ، فيقولون : آمنا بالله وبالرسول ثم يفعلون صد ما يقولون ، فإذا دعوا ليحكم بينهم الرسول فيما يتنازعون فيه أبوا وخافوا أن يحيف عليهم ، والمؤمن الصادق الإيمان إذا ما دعى إلى الله والرسول قال سمعا وطاعة ، ثم بيّن بعض أكاذيبهم التي يراءون بها ويدّعون الإخلاص فيها ، فمنها أنهم يحلفون أغلظ الأيمان أنهم مطيعون للرسول فى كل ما يأمرهم به ، حتى لو أمرهم بالخروج والجهاد لبّوا الأمر سراعا ، ثم أمر الرسول بنهيهم عن الحلف والإيمان ؛ لأن طاعتهم معروفة لا تحتاج إلى يمين ، وبأن يقول لهم : أطيعوا الله حقا لا رياء ، فإن أبيتم فإنما علىّ التبليغ وعليكم السمع والطاعة ، فإن أطعتمونى اهتديتم ، وإن توليتم فقد فعلت ما كلفت به ، وعلى الله الحساب والجزاء.
قال مقاتل : نزلت هذه الآية فى بشر المنافق دعاه يهودى فى خصومة بينهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودعا هو اليهودي إلى كعب بن الأشرف ، ثم تحاكما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحكم لليهودى فلم يرض المنافق بقضائه عليه السلام فقال نتحاكم إلى عمر رضى الله عنه ، فلما ذهبا إليه قال له اليهودي : قضى لى النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يرض بقضائه ، فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال بلى ، فقال مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل رضى الله عنه بيته وخرج بسيفه فضرب به عنق المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم.
الإيضاح
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) أي ويقول هؤلاء المنافقون : صدّقنا بالله وبالرسول وأطعنا الرسول ، ثم يخالفون ذلك فيعرضون عن طاعة الله ورسوله ضلالا منهم عن الحق ، وما أولئك بالمؤمنين المخلصين الثابتين على الإيمان ، بل هم ممن فى قلوبهم مرض ، وقد مرنوا على النفاق ، يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.