الإيضاح
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي إن جميع من سبقك من الرسل كانوا يأكلون الطعام للتغذى به ، ويمشون فى الأسواق للتكسب والتجارة ، ولم يقل أحد إن ذلك نقص لهم يغضّ من كرامتهم ويزرى بهم ، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم فى هذا ، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة ، وخصائصهم السامية ، وآدابهم العالية ، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات ، وباهر المعجزات ، مما يستدلّ به كل ذى لب سليم وبصيرة نافذة على صدق ما جاءوا به من عند ربهم ـ فمحمد صلّى الله عليه وسلّم ليس بدعا من الرسل ، إذ يأكل ويمشى فى الأسواق ، وليس هذا بذم له ولا مطعن فى صدق رسالته كما تزعمون.
ونحو الآية قوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» وقوله : «وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ».
ثم سلى رسوله على قولهم : «أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» بقوله.
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ؟) أي وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض ، فجعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة ، وهذا ملكا وخصصناه بالدنيا ، وهذا فقيرا وحرمناه من لذات الحياة ونعيمها ، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنى ، والملك بصبره على ما أوتيه الرسول من الكرامة ، وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطى وقسم له ، وطاعته ربه على حرمانه مما أعطى سواه ـ ومن جرّاء هذا لم أعط محمدا الدنيا وجعلته بمشى فى الأسواق يطلب المعاش ، لأبتليكم وأختبر طاعتكم وإجابتكم إياه إلى ما دعاكم إليه وهو لم يرج منكم عرضا من أعراض الدنيا ، ولو أعطيتها إياه لسارع كثير منكم إلى اتباعه ، طمعا فى أن ينال شيئا من دنياه.