ويدخل فى قوله : (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) كل حق يلزم إيتاؤه ، سواء أكان من حقوق الله كالزكاة والكفارة وغيرها أم من حقوق العباد كالودائع والديون والعدل بين الناس ، فمتى فعلوا ذلك (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، من التقصير والإخلال بها بنقصان أو غيره) اجتهدوا فى أن يوفّوها حقّها حين الأداء.
وسألت عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله : «(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهو الذي يزنى ويشرب الخمر ، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله تعالى؟ فقال لا يا بنة الصديق ، ولكن هو الرجل يصلى ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يقبل ذلك منه.
(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي أولئك الذين جمعوا هذه المحاسن يرغبون فى الطاعات أشد الرغبة ، فيبادرونها لئلا تفوتهم إذا هم ماتوا ، ويتعجلون فى الدنيا وجوه الخيرات العاجلة التي وعدوا بها على الأعمال الصالحة فى نحو قوله : «فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ» وقوله : «وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي إنهم يرغبون فى الطاعات وهم لأجلها سابقون الناس إلى الثواب ، لا أولئك الذين أمددناهم بالمال والبنين فظنوا غير الحق أن ذلك إكرام منّا لهم ، فإن إعطاء المال والبنين والإمداد بهما لا يؤهل للمسارعة إلى الخيرات ، وإنما الذي يؤهل للخيرات هو خشية الله وعدم الإشراك به وعدم الرياء فى العمل والتصديق مع الخوف منه.
ومعنى (هم لها) أنهم معدون لفعل مثلها من الأمور العظيمة ، كقولك لمن يطلب منه حاجة لا ترجى من غيره ـ أنت لها ـ وعلى هذا قوله :
مشكلات أعضلت ودهت |
|
يا رسول الله أنت لها |
وخلاصة ذلك ـ إن النعم ليست هى السعادة الدنيوية ونيل الحظوظ فيها ، بل هى العمل الطيب ، بإيتاء الصدقات ونحوها مع إحاطة ذلك بالخوف والخشية.