المعنى الجملي
بعد أن ذم سبحانه من فرقوا دينهم شيعا وفرحوا بما عملوا وظنوا أن ما نالوه من حظوظ الدنيا هو وسيلة لنيل الثواب فى الآخرة ، وبين أنهم واهمون فيما حسبوا ـ قفّى على ذلك بذكر صفات من له المسارعة فى الخيرات ، ومن هو جدير بها.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي إن الذين هم من خوفهم من عذاب ربهم دائبون فى طاعته ، جادّون فى نيل مرضاته ، فهم فى نهاية الخوف من سخطه عاجلا ، ومن عذابه آجلا ، ومن ثم يبتعدون عن الآثام والمعاصي.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي والذين هم بآيات ربهم الكونية التي نصبها فى الأنفس والآفاق دلالة على وجوده ووحدانيته ، وبآياته المنزّلة على رسله ـ مصدّقون موقنون ، لا يعتريهم شك ولا ريب.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) أي والذين لا يعبدون مع الله سواه ، ويعلمون أنه الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي ليس له صاحبة ولا ولد.
وفيما سبق وصف لله بتوحيد الربوبية ، وهنا وصف له بتوحيد الألوهية ، ولم يقتصر على الأول ، لأن كثيرا من المشركين يعترفون بتوحيد الربوبية كما قال : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ» ولا يعترفون بتوحيد الألوهية والعبادة ، ومن ثم عبدوا الأصنام والأوثان على طرائق شتى ، وعبدو معبودات مختلفة.
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) أي والذين يعطون ما أعطوا ، ويتصدقون بما تصدقوا ، وقلوبهم خائفة ألا يتقبّل ذلك منهم ، وألا يقع على الوجه المرضى حين يبعثون ويرجعون إلى ربهم ، وتنكشف الحقائق ، ويحتاج العبد إلى عمل مقبول لديه وإن قل «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».