به نفسه من اجتراح المعاصي وفاسد المعتقدات ـ أردف ذلك ذكر مقال للكافرين ذكروه تهكما واستهزاء ، ثم ذكر الدليل على صحة البعث بخلق السموات والأرض ، ثم توعدهم على تكذيبهم بأشد الوعيد ، لعلهم يرجعون عن عنادهم ، ويثوبون إلى رشادهم.
الإيضاح
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟) أي وقال قريش بعضهم لبعض ، تعجبا واستهزاء ، وتهكما وإنكارا : هل سمعتم برجل يقول : إنا إذا تقطعت أوصالنا ، وتفرقت أبداننا ، وبليت عظامنا ، نرجع كرة أخرى أحياء كما كنا ، ونحاسب على أعمالنا ، ثم نثاب على الإحسان إحسانا ، ويجزى على اجتراح الآثام آلاما ، بنار تلظى تشوى الوجوه والأجسام.
وخلاصة ذلك ـ إنه يقول : إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتا وعظاما ، وقطعتكم السباع والطير ، ستحيون وتبعثون ، ثم تحاسبون على ما فرط منكم من صالح العمل وسيئه ؛ ثم قال إن مقالا كهذا لا يصدر إلا من أحد رجلين.
(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟) أي إن قوله هذا دائر بين أمرين : إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله أنه أوحى إليه ذلك ، أو أنه لبّس عليه كما يلبّس على المعتوه والمجنون.
وإجمال ذلك ـ إنه إما أن يكون مفتريا على الله وإما أن يكون مجنونا.
فرد الله عليهم مقالهم وأثبت لهم ما هو أشد وأنكى فقال :
(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه ، بل إن محمدا هو البرّ الرشيد الذي جاء بالحق ، وإنهم هم الكذبة الجهلة الأغبياء الذين بلغوا الغاية في اختلال العقل وأوغلوا في الضلال ، وبعدوا