كبراؤها وأولو النعمة والثروة فيها : إنا لا نؤمن بما بعثتم به من التوحيد والبراءة من الآلهة والأنداد.
وليس في ذلك من عجب ، فإن المنغمسين في الشهوات يحملهم التكبر والتفاخر بزينة الحياة الدنيا على النفور من الكمال الروحي ، ومن تثقيف النفوس بالإيمان والحكمة ، فالضدان لا يجتمعان : انغماس في الشهوة وعلم وحكمة ، ثروة مادية وثروة روحية.
ثم ذكر تفاخرهم بما هم فيه من بسطة العيش ، وكثرة الولد وأن ذلك سيكون سبب نجاتهم من العذاب في الآخرة بقوله :
(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي وقال المستكبرون فى كل قرية أرسلنا فيها نذيرا : إنا ذوو عدد عديد من الأولاد وكثرة في الأموال ، فنحن لا نعذب ، لأن ذلك دليل على محبة الله لنا ، وعنايته بنا ، وأنه ما كان ليعطينا ما أعطانا ثم يعذبنا في الآخرة.
هيهات هيهات ، إنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا ، وأخطأوا القياس «أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ».
وخلاصة آرائهم ـ نحن في نعمة لا تشوبها نقمة ، وذلك دليل على كرامتنا عند الله ورضاه عنا ، إذ لو كان ما نحن فيه من الشرك وغيره مما تدعونا إلى تركه مخالفا لما يرضيه ـ لما كنا فيما نحن فيه من نعمة وبسطة في العيش وكثرة الأولاد.
فرد الله عليهم مقالتهم آمرا رسوله أن يبين لهم خطأهم بقوله :
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي قل لهم أيها الرسول : إن ربى يبسط الرزق من معاش ورياش في الدنيا لمن يشاء من خلقه ويضيّق على من يشاء ، لا لمحبة فيمن بسط له ذلك ، ولا لخير فيه ولا زلفى استحق بها ذلك ، ولا لبغض منه لمن قدر عليه ولا لمقت منه له ، ولكنه يفعل ذلك لسنن وضعها