ثم ذكر أنهم بطروا وملّوا تلك النعم وآثروا الذي هو أدنى على الذي هو خير كما فعل بنوا إسرائيل فطلبوا أن يفصل بين القرى بمفاوز وقفار ، ليظهر القادرون منهم الأزواد والرواحل تكبرا وفخرا على العاجزين كما حكى سبحانه عنهم بقوله :
(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز ، لنركب فيها الرواحل ، ونتزود معنا فيها الأزواد ، فأجاب الله طلبهم وعاقبهم على بطرهم بالنعمة كما قال : (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ قد عرّضوها للسخط والعذاب ، بغمط النعمة وعدم الوفاء بشكرها.
ثم ذكر عاقبة أمرهم فقال :
(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي فجعلناهم أحاديث للناس يسمرون بها ويعتبرون بأمرهم ، وكيف مكر الله بهم ، وفرّق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنىّ وصاروا مضرب الأمثال فقيل للقوم يتفرقون تفرقوا أيدى سبأ ، فنزل آل جفنة ابن عمرو الشام ونزل الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت أزد السّراة السّراة ، ونزلت أزد عمان عمانا ثم أرسل الله على السد السيل فهدمه.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن في ذلك الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب ، بعد النعمة والعافية ، عقوبة لهم على ما اجترحوه من الآثام ـ لعبرة لكل عبد صبار على المصايب ، شكور على النعم.
روى سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال : «عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر ، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر ، يؤجر المؤمن في كل شىء حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته» وكان مطرّف بن الشّخّير يقول : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر ، وإذا ابتلى صبر.