المعنى الجملي
بعد أن ذكر جل وعلا حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه ـ أعقب ذلك بذكر ما حل بالكافرين بنعمه ، المعرضين عن ذكره وشكره من عظيم العقاب ، موعظة لقريش وتحذ المن يكفر بالنعم ، ويعرض عن المنعم.
الإيضاح
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي لقد كان أهل هذا الحي من ملوك اليمن فى نعمة عظيمة وسعة في الرزق ، وكانت لهم حدائق غناء ، وبساتين فيحاء ، عن يمين الوادي وشماله ، وقد أرسل الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزق ربهم ويشكروه بتوحيده وعبادته كفاء ما أنعم عليهم بهذه المنن ، وأحسن إليهم بتلك النعم ، فكانوا كذلك إلى حين ، ثم أعرضوا عما أمروا به فعوقبوا بإرسال السيل عليهم فتفرقوا في البلاد شذر مذر ، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أي فأعرضوا عن طاعة ربهم ، وصدوا عن اتباع مادعتهم إليه الرسل ، فأرسل الله عليهم سيلا كثيرا ملأ الوادي وكسر السد وخرّبه وذهب بالجنان والبساتين ، وأهلك الحرث والنسل ، ولم يبق منهم إلا شراذم قليلة تفرقت في البلاد ، وبدّلوا بتلك الجنان والبساتين التي سبق وصفها بساتين ليس فيها إلا بعض أشجار لا يؤبه بها كالخمط والأثل وقليل من النبق.
ثم بين سبب ذلك العقاب بقوله :
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي وجازيناهم ذلك الجزاء الفظيع من جراء كفرهم بربهم وجحودهم بنعمه ، وتكذيبهم بالحق ، وعدو لهم