(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي قل لهم : إنى لا أريد منكم أجرا ولا عطاء على أداء رسالة ربى إليكم ، ونصحى لكم وأمرى بعبادته ، إنما أطلب ثواب ذلك من الله ، وهو العليم بجميع الأشياء ، فيعلم صدقى وخلوص نيّتى.
وإذا علم أن الذي حمله على ركوب الصعاب واقتحام الأخطار ليس أمرا دنيويا ، ثبت أن الذي حفزه عليها هو أمر الله تعالى له وقد صدع به «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» وبهذا ثبت أنه نبىّ.
ولما استبان أنه ليس بالمجنون ولا هو بطالب الدنيا ـ علم أن الذي جاء به هبط إليه من السماء وقذف به الوحى إليه ، وأمره أن يبلغه إليهم كما أشار إلى ذلك بقوله :
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) القذف الرمي بدفع شديد : أي قل لمن أنكر التوحيد ورسالة الأنبياء والبعث : إن ربى يلقى الوحى وينزله على قلب من يجتبيه من عباده ، وهو العليم بمن يصطفيهم كما قال سبحانه : «اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» وقال : «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ».
وقد يكون المعنى كما روى عن ابن عباس : إن ربى يقذف الباطل بالحق ؛ أي يورده عليه حتى يبطله ويزيل آثاره ويشيع الحق في الآفاق.
ولا يخفى ما في هذا من عدة بإظهار الإسلام ونشره بين الناس وتبلج نوره فى الكون ، ونحوه «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ».
ثم أكد ما سلف بأمر رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بأن الإسلام سيعلو على سائر الأديان ، وأن غيره سيضمحل ويزول فقال :
(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي قل جاء الإسلام ، ورفعت رايته ، وعلا ذكره ، وذهب الباطل ، فلم تبق منه بقية تبدى شيئا أو تعيده.