ظُلامتي (١) ، أما كان صلىاللهعليهوآلهوسلم أبي يقول : « المرءُ يُحفظ في وُلده » ؟ سَرْعان ما أحدثتم ، وعَجْلان ذا إهالةً (٢) ، ولكم طاقةٌ بما اُحاول ، وقُوَّةٌ على ما أطلب واُزاول ! أتقولون مات محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! فَخَطْبٌ جليلٌ استوسَعَ وَهْيُهُ (٣) ، واستَنْهرَ فتْقُه ، وانفتَقَ رتْقُهُ (٤) ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكُسفت النجوم لمصيبته (٥) ، وأكْدَت الآمال (٦) ، وخشعت
__________________
أو من الغمر ، بمعنى الستر ، ولعله كان بالضاد المعجمة فصحف ، فان استعمال اغماض العين في مثل هذا المقام شايع.
(١) السنة بالكسر : مصدر وسن يوسن ـ كعلم يعلم ـ وسنا وسنة ، والسنة : اول النوم او النوم الخفيف ، والهاء عوض عن الواو. والظلامة بالضم كالمظلمة بالكسر : ما اخذه الظالم منك فتطلبه عنده. والغرض تهييج الانصار لنصرتها ، او توبيخهم على عدمها. وفي الكشف بعد ذلك ، : « ما كان لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان يحفظ ».
(٢) سرعان مثلثة السين : وعجلان بفتح العين كلاهما من أسماء الأفعال بمعنى سرع وعجل ، وفيهما معنى التعجب ، أي ما اسرع واعجل. وفي رواية ابن ابي طاهر : « سرعان ما اجديتم فأكديتم » يقال : اجدب القوم أي أصابهم الجدب. واكدى الرجل : اذا قل خيره ، والاهالة بكسر الهمزة : الودك وهو دسم اللحم. وقال الفيروزآبادي : « قولهم : سرعان ذا اهالة ، اصله ان رجلا كانت له نعجة عجفاء وكانت رغامها يسيل من منخريها لهزالها ، فقيل له : ما هذا الذي يسيل ؟ فقال السائل : سرعان ذا اهالة. ونصب « اهالة » على الحال : وذا اشارة إلى الرغام او تميز على تقدير نقل الفعل كقولهم : تصبب زيد عرقا ، والتقدير : سرعان اهاله هذه ، وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته » انتهى. والرغام بالضم : ما يسيل من انف الشاة والخيل ، ولعل المثل كان بلفظ عجلان ، فاشتبه على الفيروزابادي او غيره. او كان كل منهما مستعملا في هذا المثل. وغرضها صلوات الله عليها التعجب من تعجيل الانصار ومبادرتهم إلى احداث البدع ، وترك السنن والاحكام ، والتخاذل عن نصرة سيد الانام ، مع قرب عهدهم به ، وعدم نسيانهم ما اوصاهم به فيهم ، وقدرتهم على نصرتها واخذ حقها ممن ظلمها ولا يبعد ان يكون المثل اخبارا مجملا بما يترتب على هذه البدعة من المفاسد الدنيوية وذهاب الاثار النبوية.
(٣) الخطب ، بالفتح : الشأن والأمر عظم أو صغر. والوهي كالرمي : الشق والخرق يقال : وهي الثوب : اذا بلي وتخرق واستوسع.
(٤) استنهر : استفعل من النهر ـ بالتحريك ـ بمعنى السعة ، أي اتسع ، والفتق : الشق ، والرتق ضده. انقتق أي انشق. والضماير المجرورات الثلاثة راجعة إلى الخطب بخلاف المجرورين بعدهما فانهما راجعان إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٥) كسف النجوم : ذهاب نورها ، والفعل منه يكون متعديا ولازما ، والفعل كضرب. وفي رواية ابن ابي طاهر مكان الفقرة الاخيرة : « واكتأبت خيرة الله المصيبة » والاكتئاب : افتعال من الكآبة بمعنى الحزن. وفي الكشف : « واستنهز فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض ، وأكتأبت لخيرة الله ـ إلى قولها ـ واديلت الحرمة ـ » من الادالة بمعنى الغلبة.
(٦) يقال : اكدى فلان أي بخل او قل خيره.