الظاهر تغاير المبدأين فيما يحدث بالصناعة وفيما يحدث بالطبيعة ، فإن الماء لا يكون منه حي بذاته ولا الخشبة يكون منها سرير من غير الصناعة ، وبالجملة فيجب أن يكون الأمر فيما يحدث بالصناعة والطبيعة واحدا. وأيضا فإنهم إذا رفعوا السبب الفاعل فقد رفعوا السبب الصوري لأن الصورة إذا كان حدوثها عن نوع من الانفعال عرض للهيولى فحدوثها يكون أقليا وبالعرض. وهم بالجملة إن جعلوا هاهنا مبدأ فاعلا فإنما يجعلون الفاعل الذي هو من جنس الآلة لا الفاعل الذي هو من / جنس الفاعل بالحقيقة ، إذ يرفعون الفاعل الأول من الموجودات وذلك أنهم يقولون إنه لما كان من شأن الحار أن يفرق ويميز ومن شأن البارد أن يجمع ويخلط وكذلك كل واحد من الأشياء المحسوسة شأنه أن يفعل في غيره وأن ينفعل منه ، فقد يكتفى في كون الأشياء وفسادها بفعل بعضها في بعض وانفعال بعضها عن بعض. إلا أنه لما كنا نرى النار ، التي يظهر من أمرها أنها فاعلة جدا أكثر من سائر العناصر ، إذا فعلت بطبعها فهي أحرى أن تفسد الأشياء من أن تكونها ، فقد يجب ضرورة إذا كانت مكونة للأشياء أن يكون هنالك فاعل هو الذي صيرها بالتعديل والتكثير صالحة لأن تكوّن شيئا من الأشياء. فمن نسب التكوين إلى النار وغيرها من العناصر فهو أشبه شيء بمن نسب النشر إلى المنشار دون الصانع ، والخزانة إلى القدوم بل لم يشعر هؤلاء أن تحريك النار [أخص من تحريك الآلة وذلك أن الآلة لا تحرك دون (١) الصانع وإذا حركت مع الصانع حركت إلى الكون ، وأما النار] فإذا لم تحرك بالمحرك الأول حركت إلى الفساد.
_________________
١ ـ ينقل هذا الهامش من النسخة الأخرى (١) لأنه غير واضح في هذه النسخة.