محمد الكتبي الحاكم ـ بهراة ـ قال : سنة تسع وأربعين وأربعمائة ورد الخبر بوفاة الإمام شيخ الإسلام إسماعيل الصّابوني بنيسابور في المحرّم ، وكان مولده في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، وكان أول مجلس عقده بنيسابور بعد قتل والده أبي نصر في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ، وسمعته يقول هراة وسجستان مجمع الأسرة ، وبوشنج مقطع المسرّة ، ونيسابور موضع النّصرة
وذكر غير الكتبي : أن مولده ببوشنج (١) ليلة الاثنين للنصف من جمادى الآخرة (٢).
أنبأنا أبو الحسن الفارسي ، قال (٣) : حكى الأثبات والثّقات أنه كان يعقد المجلس ، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دفع إليه كتاب ورد من بخارا مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها ، واستدعى فيه أغنياء (٤) المسلمين بالدعاء على رءوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم ، ووصف فيه أن واحدا تقدّم إلى خبّاز يشتري الخبز ، فدفع الدّراهم إلى صاحب الحانوت ، فكان يزنها والخبّاز يخبز والمشتري واقف ، فمات الثلاثة في الحال ؛ واشتد الأمر على عامة الناس. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك واستقرأ من القارئ قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ)(٥) ونظائرها ، وبالغ في التخويف والتحذير.
وأثّر ذلك فيه ، وتغيّر في الحال ، وغلبه وجع البطن من ساعته ، وأنزل من المنبر ، وكان يصيح من الوجع ، وحمل إلى الحمّام إلى قريب من الغروب للشمس ، فكان يتقلب ظهرا لبطن ، ويصيح ويئنّ فلم يسكن ما به ، فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج ؛ فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت ، فودّع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشقّ الجيوب والنّياحة ورفع الصوت بالبكاء ؛ ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصّته حتى قرأ سورة «يس» وتغيّر حاله وطاب وقته ، وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسناد ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كان
__________________
(١) بوشنج بليدة نزهة خصبة في واد مشجر من نواحي هراة.
(٢) الخبر في بغية الطلب ٤ / ١٦٨٣ نقلا عن ابن عساكر.
(٣) المنتخب من السياق ص ١٣٥.
(٤) المنتخب : اعتناء.
(٥) سورة النحل ، الآية : ٤٥.