فقال سالم : والله لو لا أن تداوله الرواة لأجزلت جائزتك ، فإنك من هذا الأمر بمكان.
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب (١) ، أخبرني الحسن بن علي ، حدثني ابن مهرويه ، حدثني أبي سعد ، حدثني القطراني المغني عن محمد بن جبر ، عن إبراهيم [بن](٢) المهدي ، حدثني ابن أشعب عن أبيه قال : دعي ذات يوم بالمغنّين للوليد (٣) بن يزيد وكنت نازلا معهم فقلت للرسول : خذني فيهم ، فقال : لم يؤمر بذلك ، إنما أمرت بإحضار المغنّين ، وأنت بطّال لا تدخل في جملتهم ، فقلت له : أنا والله أحسن غناء منهم ، ثم اندفعت فغنّيت فقال : لقد سمعت حسنا ولكني أخاف ، فقلت : لا خوف عليك ، ولك مع هذا شرط ، قال : ما هو؟ قال : كلما أصبته فلك شطره ، فقال للجماعة : اشهدوا لي عليه ، فشهدوا ، ومضينا فدخلنا على الوليد وهو آسن (٤) النفس ، فغنّاه المغنون في كل فن من ثقيل وخفيف ، فلم يتحرك ولا نشط ، فقام [الأبجر إلى الخلاء ، وكان خبيثا داهيا ، فسأل الخادم عن خبره ، وبأي سبب هو خاثر ، فقال :](٥) بينه وبين امرأته شرّ لأنه عشق أختها فغضبت عليه وهو إلى أختها أميل ، وقد عزم على طلاقها ، وحلف لها ألا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة ، وخرج على هذه الحال من عندها فعاد الأبجر إليها وجلس ، فما استقر به مجلسه حتى اندفع فغنّى :
فبيني بأني لا أبالي وأيقني |
|
أصعّد باقي حبكم أم تصوّبا |
ألم تعلمي أني عزوف عن الهوى |
|
إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا |
فطرب الوليد وارتاح ، وقال : أصبت والله يا عبيد ما في نفسي ، وأمر له بعشرة آلاف درهم ، ولم يحظ أحد سوى الأبجر بشيء ، فلما أيقنت ، فانقضى المجلس وقفت فقلت : إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك ، فضحك ثم قال : قبّحك الله ، وما السبب في ذلك ، فأخبرته بقصتي مع الرسول ، وقلت له : إنه بدأني من
__________________
(١) الأغاني ٣ / ٣٤٨ أخبار الأبجر ونسبه.
(٢) زيادة عن الأغاني.
(٣) بالأصل «الوليد» والمثبت عن الأغاني.
(٤) في الأغاني : «لقس النفس».
(٥) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدراكها عن م والأغاني.