بني عبد الأشهل ، فدخل حائطا من حوائط بني ظفر ـ وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل ، وكانا ابنا عمّ ـ يقال لها بئر مرق (١) ، فسمع بهما سعد بن معاذ ـ وكان ابن خالة أسعد بن زرارة ـ فقال لأسيد بن حضير : ائت أسعد بن زرارة فازجره عنّا فليكفّ عنّا ما نكره ، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرّجل الغريب معه يسفّه سفهاءنا وضعفاءنا ، فإنه لو لا ما بيني وبينه من القرابة لكفيتك ذلك ؛ فأخذ أسيد بن حضير الحربة ثم خرج حتى أتاهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير : هذا والله سيد قومه قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسنا. فقال : إن يقعد أكلّمه فوقف علينا متشتما فقال : يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفّه به سفهاءنا؟ فقال : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره قال : قد أنصفتم.
ثم ركز الحربة وجلس ، فكلّمه مصعب ، وعرض عليه الإسلام ، وتلا عليه القرآن : فو الله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهّله ، ثم قال : ما أحسن هذا وأجمله! فكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قال : تطهّر وتطهّر ثيابك ، وتشهد شهادة الحقّ وتصلّي ركعتين ، ففعل ثم قال لهما : إن ورائي رجلا من قومي إن تابعكما (٢) لم يخالفكما أحد بعده ، ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ (٣) فلما رآه سعد بن معاذ مقبلا قال : أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به. قال له سعد فما ذا صنعت؟ قال قد ازدجرتهما (٤) ، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك (٥) فيه ـ لأنه ابن خالته ـ فقام إليه سعد مغضبا ، فأخذ الحربة من يده ، وقال : والله ما أدراك أغنيت شيئا ، فخرج.
فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما قال لمصعب : هذا والله سيد من وراءه من قومه ، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه ، فاصدق الله فيه ، فقال مصعب بن عمير : إن يسمع مني أكلّمه.
فلما وقف عليهما قال : يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره ـ وهو متشتّم ـ أما
__________________
(١) بئر مرق : بالمدينة ، ذكر في الهجرة ، ويروى بسكون الراء (معجم البلدان).
(٢) ابن هشام ٢ / ٧٨ : إن اتبعكما.
(٣) وكان سعد وقومه في ناديهم ينتظرونه (ابن هشام).
(٤) زيد في ابن هشام : فقالا : نفعل ما أحببت.
(٥) الإخفاء : نقض العهد والغدر.