ويعضد بقاء معنى الوصف في مثله عندهم قول أبي علي في كتاب الشعر (١) : الأبرق ، والأبطح ، وإن استعملا استعمال الأسماء ، وكسّرا تكسيرها ، لم يخلع عنهما معنى الوصف ، بدلالة أنهم لم يصرفوهما ، ولا نحوهما ، في النكرة فعلمت أن معنى الوصف مقرّ فيهما ، وإذا أقرّ فيهما معنى الوصف علّقت الحال والظرف بهما.
هذا لفظه ، ونحن نعلم أن معنى أسود الغالب ؛ حية فيها سواد ، ومعنى أرقم حية فيها سواد وبياض ، ومعنى أدهم ؛ قيد فيه دهمة أي سواد ، أي قيد من حديد لأن الحديد أسود.
فلم يثبت بنحو أسود أن الوصفية الأصلية تعتبر بعد زوالها ، فلا حجة ، إذن ، لسيبويه ، في منع صرف أحمر المنكر بعد العلمية ، كما أنه لم يثبت بأربع : ان الوصفية العارضة لا تعتبر.
وقال بعضهم : ربما لا تعتبر الصفة في الغالبة نحو أبطح ونحوه من الغالبات فتصرف ، وذلك لنقصانها عن سائر الصفات لفظا لعدم جريها على الموصوف ، وان كان معنى الوصف باقيا فيها.
قوله : «وضعف منع أفعى» ، معطوف على قوله : صرف .. أي ولكون الوصف الأصلي معتبرا ، ضعف منع أفعى ، لأنه لم يتحقق كونه وصفا في أصل الوضع ، ولا يثبت أيضا في الاستعمال نحو أيّم أفعى ، بل توهّم أنها موضوعة للصفة ، لما رأوا أنها للحية الخبيثة الشديدة ، من قولهم فعوة السم ، أي شدته.
وكذا توهم الصفة في الأجدل الذي هو الصقر ، أنه موضوع في الأصل للوصف ، أي طائر ، ذو جدل وهو الإحكام ، وقد قيل للدرع جدلاء ، فكأنها مؤنث أجدل.
__________________
(١) لأبي علي الفارسي كتاب اسمه : الايضاح الشعري. وينقل الرضى في شرحه هذا عن الفارسي فيقول مرة عنه : كتاب الشعر ، ومرة : الكتاب الشعري. وذكر السيوطي في البغية أن للفارسي كتابا اسمه : أبيات الاعراب ، فربما كان هو المقصود من كلام الرضى.