ويجوز أيضا ، أنت مني فرسخين بالنصب ، على أن «مني» خبر المبتدأ ، أي من أشياعي ، وفرسخين : حال ، أي ذوي سير فرسخين أو على الظرف أي في فرسخين ، أي أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : «سلمان منا».
واعلم أن نحو : خلف ، وقدام ، من الظروف : ظروف عند البصريين ، أضيفت أولم تضف ، وترك الإضافة قليل عندهم.
وهي عند الكوفيين لا تكون ظروفا إلا مع الإضافة ، أما عند الافراد فهي بمعنى اسم الفاعل ، فمعنى جلست خلفا ، عندهم أي متأخرا ، نصب على الحال ، وقام مكانا طيبا ، أي مغتبطا ، فإذا وقعت خبرا عن المبتدأ وجب عندهم رفعها ، نحو أنت خلف وقدام ، أي متأخر ، ومتقدم ، والبصرية تجوّز نصبها على قلّة ، كما ذكرنا ، وأما رفعها عندهم فعلى حذف المضاف ، كما مر ، وهي باقية على الظرفية ، وهو الأولى ، إذ خروج الشيء عن معناه خلاف الأصل فلا يرتكب ما أمكن حمله على عدم خروجه عنه.
وقوله :
٦٨ ـ وساغ لي الشراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغص بالماء الحميم (١) |
أي قبل ذلك ، يقوّي مذهب البصريين.
__________________
(١) روي مثله بقافية أخرى .. بالماء الفرات والذي هنا من أبيات ليزيد بن الصّعق قالها وقد انتقم لنفسه من الربيع ابن زياد العبسي وكنيته أبو حريث وكان الربيع قد أغار على يزيد وقومه فلم يتمكن منهم فأخذ ابلا لجيرانه فأقسم يزيد بن الصعق لينتقمنّ ، فلما تحقق له الوفاء بقسمه قال :
الا أبلغ لديك أبا حريث |
|
وعاقبة الملامة للمليم |
وقبل الشاهد :
فنمت الليل إذ أوقعت فيكم |
|
قبائل عامر وبني تميم ... |
وساغ الخ أما البيت الآخر : الذي آخره بالماء الفرات فلم ينسبه أحد ولم يذكروا شيئا قبله ولا بعده. وقال العيني إن بيت الشاهد لعبد الله بن يعرب بن معاوية وكان له ثأر فأدركه والذي أثبتناه هنا منقول من خزانة الأدب للبغدادي.