فنقول التقدير الأصلي في مثل هذا المصدر أن تجعل الجملة المتقدمة مفعولا بها لقلت ، وهذا المصدر مفعولا مطلقا لقلت ، بيانا للنوع ، فالقول الناصب مدلول الجملة المتقدمة ، لأن المتكلم إذا تكلم بالجملة فهي مقولة ، فمعنى جميع هذه المصادر ، إن كانت بعد الجملة الخبرية : قولا حقا مطابقا للخارج ، وهذا المعنى تدل عليه الجملة السابقة نصا بحيث لا احتمال لغيره من حيث مدلول اللفظ ، إذ جميع الأخبار من حيث اللفظ لا تدل إلا على الصدق ؛ وأما الكذب فليس بمدلول اللفظ ، بل هو نقيض مدلوله ، وأما قولهم : الخبر محتمل للصدق والكذب ، فليس مرادهم أن الكذب مدلول لفظ الخبر كالصدق ، بل المراد أنه يحتمل الكذب من حيث العقل ، أي لا يمتنع عقلا ألّا يكون مدلول اللفظ ثابتا.
وكذا ما يجيء بعد الأمر والنهي من المؤكد لغيره كالبتة ، يدلان عليه دلالة نص ، لأن الآمر قاطع بطلب الفعل ، والناهي قاطع بطلب تركه.
وأما قولهم : أجدّك لا تفعل كذا ، قال :
٩١ ـ خليلي هبّا طالما قد رقدتما |
|
أجدّ كما لا تقضيان كراكما (١) |
ولا يستعمل إلا مع النفي ، فليس مؤكدا للفعل المذكور بعده ، كما توهم بعضهم ، إذ لو أكد قوله : لا تقضيان كراكما ، لكان مؤكدا لمضمون المفرد أعني الفعل بلا فاعل ، فيكون نحو : رجع زيد القهقرى لأن عدم القضاء يكون ، إذن ، هو المحتمل للجدّ وغيره ، فيكون كالرجوع المحتمل للقهقرى وغيرها.
فإن قلت : جدّكما ، مضمون عدم قضاء المخاطبين لأنّ ذلك قد يكون جدّا ، وقد
__________________
(١) وضح الشارح وجه الاستشهاد بما فيه كفاية. وهذا البيت من شعر لقسّ بن ساعدة الأيادي من أفصح خطباء الجاهلية وله شعر قليل وهذا البيت أول أبيات أوردها البغدادي وذكر معها قصة غريبة تتضمن أنه قالها في رثاء أخوين أو صديقين له كان يعيش إلى جانب قبريهما ينتظر الموت مثلهما. وبعد هذا البيت :
ألم تعلما أني بسمعان مفردا |
|
ومالي فيه من خليل سواكما |
مقيم على قبريكما لست بارحا |
|
طوال الليالي أو يجيب صداكما |
وسمعان اسم موضع. ومفردا ، هكذا ورد منصوبا. فيكون خبر أني قوله بسمعان ومفردا حال أي اني باق بسمعان حال كوني مفردا ؛ وذكر البغدادي خلافا في نسبة هذا الشعر إلى غير قس بن ساعدة.