الاسمية فمعناها المثل ، بخلاف الحرفية ، فإن معناها التشبيه الحاصل في لفظ آخر ؛ وكذا معنى «كم» كثير ، لا الكثرة التي هي معنى فيما بعدها ، بخلاف «ربّ» (١) عند من قال بحرفيتها ، فإن معناها القلّة في مجرورها ، وإنما وجب القول بهذا في «ربّ» و «كم» والكافين : الاسمية والحرفية ، صونا لحدي الاسم والحرف عن الاعتراض ، ولو لا ذلك لكان الفرق بين الكافين وبين «ربّ» و «كم» بما فرقنا تحكما ، لكن لما ثبت اسمية «كم» بدخول علامات الأسماء عليها ، ولم يثبت مثله في «ربّ» وكذا في الكافين اضطررنا إلى الفرق بينهما من حيث المعنى ليسلم الحدّان.
وأما اسم الاستفهام واسم الشرط فكل واحد منهما يدل على معنى في نفسه وعلى معنى في غيره ، نحو قولك : أيّهم ضربت؟ ، وأيهم تضرب أضرب ، فإن الاستفهام متعلق بمضمون الكلام ، إذ تعيين مضروب المخاطب مستفهم عنه ، ومعنى الشرط موجود في الشرط والجزاء ، و «أيّ» في الموضعين دال على ذات أيضا ، وهي ليست معنى فيما بعدها فسلم حد الاسم.
ويجوز الجواب عنه بما قال سيبويه (٢) : إن حرفي الاستفهام والشرط أعني الهمزة و «إن» حذفتا وجوبا قبل مثل هذا الاسم لكثرة الاستعمال ، فكان الأصل : أأيهم ضربت و : إن أيهم تضرب أضرب ، ثم تضمّن «أي» معنى الاستفهام والشرط ، فالمعنيان عارضان فيها وإن كانا لازمين ، وكذا ما سوى «أي» من أسماء الاستفهام والشرط ، نحو : من تضرب؟ أي : أمن تضرب؟ و «من» بمعنى «أيّ» في التعيين في الاستفهام ، وكذا :
__________________
(١) من النحويين من يرى أن «ربّ» اسم مثل كم الخبرية ، وسيذكر الشارح ذلك في الكلام عليها في باب حروف الجر ؛ وهو يميل إلى القول بأنها اسم.
(٢) سيبويه هو شيخ النحاة وإمام البصريين ، وصاحب الكتاب الذي أصبح علما بالغلبة عند النحويين ، واسمه عمرو بن عثمان وكنيته أبو بشر ، توفي في أرجح الأقوال سنة ١٨٠ ه.
ونحن في تعليقاتنا على هذا الكتاب لن نتعرض لمن يرد اسمهم من العلماء وغيرهم إلا عند ذكره لأول مرة ، فما أكثر من ذكرهم الرضى من أئمة النحو بأسمائهم. وربما أعدنا الحديث عن بعض من يقل ذكرهم ... ولو لا هذا لأضفنا إلى هذا الشرح مثل حجمه أو أكثر.