في نحو قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(١) ، كما ذكرنا في باب الفاعل.
وهذا عند الكسائي والفراء ، ليس مما ناصبه مضمر ، بل الناصب لهذا الاسم عندهما لفظ الفعل المتأخر عنه ، إما لذاته إن صح المعنى واللفظ بتسليطه عليه ، نحو : زيدا ضربته ، فضربت عامل في زيدا ، كما أنه عامل في ضميره ، وإما لغيره ان اختل المعنى بتسليطه عليه فالعامل فيه : ما دل عليه ذلك الظاهر وسدّ مسدّه كما في : زيدا مررت به ، وعمرا ضربت أخاه ، فالعامل في زيدا هو قولك مررت به لسدّه مسدّ جاوزت ، وفي عمرا : ضربت أخاه لسدّه مسدّ أهنت وليس قبل الاسم في الموضعين فعل مضمر ناصب عندهما.
وإنما جاز عندهما أن يعمل الفعل الطالب لمفعول واحد في ذلك المفعول وفي ضميره معا في حالة واحدة ، لأن الضمير في المعنى هو الظاهر فيكون فائدة تسليطه على الضمير بعد تسليطه على الظاهر المقدم ، تأكيد إيقاع الفعل عليه ، وليس الضمير المؤخّر عندهما ، بأحد التوابع الخمسة ، لأنه لو جعل مثلا تأكيدا أو بدلا أو عطف بيان لوجب أن يكون الضمير مثل الظاهر إعرابا في جميع المثل وليس كذا ، ألا ترى إلى قولهم : زيدا مررت به ، وزيدا ضربت غلامه.
ولو قيل على مذهبهما إن المنتصب بعد الفعل الظاهر أو شبهه سواء كان ضميرا أو متعلقه هو بدل الكل من المنصوب المتقدم لكان قولا ؛ فالضمير في : زيدا ضربته ، بدل من زيدا ، وكذا الجار والمجرور في : زيدا مررت به ، إذ المعنى زيدا جاوزته ، وكذا أخاه في قولك : زيدا ضربت أخاه ، بدل من زيدا ، على حذف المضاف من زيدا ، أي : متعلّق زيد ضربت أخاه ، وكذا في قولك : زيدا ضربت عمرا في داره وزيدا لقيت عمرا وأخاه ، بتقدير : ملابس زيد ضربت ، وملابس زيد لقيت ، ثم بيّنت الملابس بقولك عمرا في داره ، فإنه ملابس زيد بكونه مضروبا في داره ، وبقولك : عمرا وأخاه فإنه ملابس زيد بكونه ملقيّا لك هو وأخو زيد ، وإن كانت الملابسة في الصورتين بعيدة ، كما يجيء
__________________
(١) الآية ٦ من سورة التوبة وتقدمت.