«أن» نحو : إياك والأسد ، يجوز فيه وجهان كونه مع الواو ، ومع «من» وقد عرفت معنى العطف ، وأما «من» فهو متعلق بالفعل المقدر ، أي بعّد نفسك من الأسد.
والذي مع «أن» يجوز فيه هذان الوجهان ، نحو : اياك أن تحذف ، وإياك من أن تحذف ، ويجوز فيه وجه ثالث وهو حذف الجار ، لأن «أن» حرف ، موصولة طويلة بصلتها لكونها مع الجملة التي بعدها بتأويل اسم ، فلما طال لفظ ما هو في الحقيقة اسم واحد ، أجازوا فيه التخفيف قياسا بحذف حرف الجر ، الذي هو مع المجرور كشيء واحد ، وكذا «أنّ» المصدرية ، وبعد حذف الحرف صار «أن» مع صلتها في محل النصب عند سيبويه نحو : الله لأفعلنّ وقال الخليل والكسائي ، هي باقية على ما كانت عليه من الجر.
والأول أولى لضعف حرف الجر عن العمل مقدرا ، ونحو الله لأفعلن (١) نادر.
وحذف حرف الجر مع غير «أن» و «أنّ» سماع نحو : استغفرت الله ذنبا ، أي من ذنب ، وبغاه الخير ، أي بغي له.
وقال الأخفش الصغير (٢) ، يجوز حذف حرف الجر قياسا إذا تعيّن وإن كان مع غير أن وأنّ ؛ فلهذا لم يجز حذف الجار من اياك من الأسد ، إذ ليس بقياس ، ولم يسمع.
فإن قيل فاحذف العاطف ، قلت : حذفه أيضا لا يجوز وهو أشدّ من حذف حرف الجر ، لأنه قياس مع أن وأنّ ، شاذ كثير في غيرهما ، وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادرا ، كما قال أبو علي في قوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ)(٣) أي وقلت ،
__________________
(١) أي بجر لفظ الجلالة بعد حذف حرف القسم.
(٢) تقدم أن الأخفش إذا أطلق انصرف إلى الأوسط ـ سعيد بن مسعدة الذي امتلأ هذا الشرح باسمه ، والأخفش الصغير ، لا يذكر إلا هكذا ، أو باسمه ، وهو علي بن سليمان ، وكنيته أبو الحسن. وهو تلميذ المبرد وأخذ عن ثعلب ، وله وقائع مع ابن الرومي الشاعر انتهت بصداقة بينهما ، ورد مصر ومنها إلى حلب ثم عاد إلى بغداد وتوفي بها سنة ٣١٥ ه ، والأخفش الأكبر هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد. شيخ سيبويه وسيأتي ذكره في هذا الشرح.
(٣) الآية ٩٢ من سورة التوبة.