أما غدوة وبكرة ، فقد زعم الخليل أنه إذا قصد بهما التعيين جاز تنوينهما كما في ضحوة ، نحو : أتيتك اليوم غدوة وبكرة ، وكذا قال أبو الخطاب (١) إنه سمع ممن يوثق به : آتيك بكرة ، وهو يريد الاتيان في يومه أو غده ، لكن الأغلب المشهور فيهما ترك التنوين مع التعيين ، كما كانتا كذلك علمين للجنس ، كما يجيء ، فيقدر العلمية فيهما كما في سحر.
فالمقصود مما تقدم أن عدم تصرف هذه المعيّنة مبنيّ على تعيينها من دون علمية ولا آلة تعريف ، وتعينها ، كذلك ، مستند إلى السماع فلا يقاس عليها في مثل هذا التعيين نحو : شهر وسنة ، وساعة ، وغديّة (٢) وغيرها ، فلا يثبت ، إذن ، عدم تصرفها (٣).
فالظروف الثلاثة عشر المذكورة ، إذا كانت معيّنة وجب عدم تصرفها وإذا لم تكن معيّنة كانت متصرفة ، نحو : صيد عليه غدوة ، فإذا تصرفت وأردت تعيينها فلا بدّ فيها من اللام أو الإضافة ، تقول : رأيته عند السحر الأعلى ، ولا تقول عند سحر الأعلى.
وأما الكلام في انصراف الظروف وعدم انصرافها فنقول : غدوة وبكرة غير منصرفتين اتفاقا وإن لم تكونا معينتين لكونهما من أعلام الأجناس كأسامة ، تقول في التعيين : أتيت اليوم غدوة أو بكرة ، وفي غير التعيين : لقيته العام الأول أو يوما من الأيام (٤) غدوة أو بكرة ، فتمنع الصرف في الحالين ، فهو في غير التعيين ، كما تقول : لقيت أسامة ، وإن كنت لقيت واحدا من الجنس غير معيّن.
وقد يجيء الكلام على أعلام الأجناس في باب الأعلام ؛ وأن علميتها لفظية لا معنى تحتها.
__________________
(١) كنيته الأخفش الأكبر ، واسمه : عبد الحميد بن عبد المجيد ، وهو من شيوخ سيبويه ، نقل عنه كثيرا في كتابه ، وهو من علماء الطبقة الثالثة في نحاة البصرة ، توفي سنة ١٧٧ ه.
(٢) تصغير غدوة.
(٣) أي نحو شهر وسنة الخ.
(٤) فيكون : العام الأول أو يوما من الأيام قرينته على عدم التعيين.